قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (٥/ ١٣٦/ ٢٣٧٦): "لا نترك رواية من زاد: عن أبيه لترك من ترك ذلك، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وإذا لم يكن بد من زيادته، فالحكم: تابعي، فيحتاج أن نعرف من عدالته ما يلزمنا به قبول روايته، وإن لم يثبت ذلك لم تصح عندنا روايته، ونسأل من صححها عما علم من حاله، وليس بمبين لها فيما أعلم، والله الموفق".
• قلت: لكن هناك قرائن تجعلنا ننظر في قبول حديثه، فإنها محتملة:
القرينة الأولى: أن الراوي عنه: مجاهد بن جبر: إمام عالم فقيه مفسر مقرئ، أحد سادات زمانه في العلم والعمل، وهو تابعي أيضًا، من الطبقة الوسطى من التابعين، فرواية مثله عن مجهول مما يرفع حال هذا المجهول إذا لم يرو منكرًا.
الثانية: مع كونه لم يرو غير هذا الحديث، ولم يرو عنه غير مجاهد، فلم يحكم على حديثه بالوهم، ولا عليه بالجهالة، لا سيما من أبي حاتم الرازي، ولم يحكم عليه بالضعف أيضًا، أو: أنه منكر الحديث، لو كان حديثه هذا منكرًا، بل إنهم قد اختلفوا في صحبته، وإنما تصح لأبيه.
الثالثة: أنه ثقفي، وقبيلة ثقيف منزلها الطائف، فليس ثمة تباعد في الدار بينه وبين الراوي عنه: مجاهد المكي، فإن أهل الطائف كثيرو الورود والنزول إلى مكة.
الرابعة: أدخله ابن حبان في ثقاته (٣/ ٨٥) فيمن روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الخامسة: احتج أبو داود والنسائي بحديثه هذا، ولم يذكرا له علة سوى الاختلاف السابق ذكره، ولا يعل بمثله الحديث.
القرينة السادسة: وهي الأهم: هل توبع الحكم بن سفيان على حديثه هذا في النضح بعد الوضوء، وهل هذه الشواهد مما تصلح في باب الشواهد والمتابعات، فإن كانت صالحة قُبِل حديثه وإلا فلا، لعدم صلاحية حديثه هذا للاحتجاج به في هذا الحكم الشرير، أعنى: إذا انفرد به ولم يتابع عليه:
• فمن هذه الشواهد:
١ - ما رواه ابن لهيعة، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن أسامة بن زيد، عن أبيه زيد بن حارثه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن جبريل عليه السلام أتاه في أول ما أُوحي إليه، فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه".
وفي رواية: "علمني جبرائيل الوضوء، وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء".
أخرجه ابن ماجه (٤٦٢)، وأبو الحسن القطان في زوائده على ابن ماجه (٤٦٢ م)، والحاكم (٣/ ٢١٧)، وأحمد (٤/ ١٦١)، وابن أبي شيبة في المصنف (١/ ١٥٥/ ١٧٨٢)، وفي المسند (٦٦١)، وعبد بن حميد (٢٨٣)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثانى (١/ ٢٠١/ ٢٥٨ و ٢٥٩)، وفي الأوائل (٣٨)، والحارث بن أبي أسامة (١/ ٢١٠/ ٧٢ - زوائده)،