قلت: لا يقدح ذلك في رفع الحديث، فمن حفظ ولم يشك أولى ممن رواه مرة مرفوعًا، ومرة مع وقوع التردد من الراوي، ثم إن السائل في العادة لا يسأل أنسًا عن حال الصحابة بعد عهد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنما جرت العادة بالسؤال عما يفيد حكمًا شرعيًا، وهو إقرار النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لهم على صلاة هاتين الركعتين، وإلا لما كان للسؤال معنى، ومن ثم فإن اختصار الراوي لهذه الجملة لا يؤثر في ثبوتها، لاسيما مع مجيئها عن أنس من طرق صحيحة متعددة، تقدم ذكرها، والله أعلم.
قال بحشل:"ليس هذا أبو فزارة الكوفي، ذاك راشد بن كيسان".
قلت: ويؤيده ذكر مسلم له في الوحدان (٦٥٦)، وفرق بينهما أبو حاتم، فقال في صاحب الترجمة:"أبو فزارة: سمع أنس بن مالك، روى عنه يعلى بن عطاء"، وترجم لراشد بن كيسان في الأسماء بترجمة ضافية [الجرح والتعديل (٣/ ٤٨٥) و (٩/ ٤٢٣)].
وعلى هذا فالأقرب عندي أنه مجهول، لكن حديثه هذا صحيح؛ فقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه بمثل رواية أبي فزارة، والله أعلم.
• وقد روي هذا الحديث من وجوه أخرى عن أنس في إسنادها مقال، أو في متنه غرابة وشذوذ لا يحتمل من راويه، مثل رواية: كان إذا قام المؤذن فأذن صلاة المغرب، في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قام من شاء فصلى ركعتين حتى تقام الصلاة، ومن شاء ركع ركعتين ثم قعد، وذلك بعيني النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -[ولا يحتمل التفرد بهذه الزيادة على ركعتين قبل صلاة المغرب، حيث تفرد بها المعلى بن جابر؛ فإنه ليس بذاك الذي تقبل زيادته، روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقد سقط من المطبوعة، وهو مقلٌّ. العلل ومعرفة الرجال (١/ ٤٧٠)، الجرح والتعديل (٨/ ٣٣٢)، التعجيل (٢/ ٢٧٥/ ١٠٥٥)، وحديثه هذا شاذ، بل منكر، قال إسحاق بن راهويه:"لا يزيد على ركعتين إذا غربت الشمس قبل أن يصلي المغرب؛ لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حيث سنَّ ذلك فقال: "بين كل أذانين صلاة، لمن شاء" فعل أصحاب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولم يزيدوا على ركعتين بعد الغروب قبل أن يصلوا المغرب". مسائل إسحاق الكوسج (٣٤٤٤)] [أخرج هذه الطرق: عبد الرزاق (٢/ ٤٣٤/ ٣٩٨٠) و (٢/ ٤٣٥/ ٣٩٨٣)، وأحمد (٣/ ١٩٩)، وابن شاهين في الناسخ (٢٧٧)، [الإتحاف (٢/ ٣٤٩/ ١٨٦٠)، المسند المصنف (٢/ ٥٦/ ٥٩٠) و (٢/ ٥٧/ ٥٩١)].
* ومن شواهد حديث أنس:
١ - حديث عقبة بن عامر:
رواه سعيد بن أبي أيوب [ثقة ثبت]، وعمرو بن الحارث [ثقة ثبت]، ورشدين بن سعد [ضعيف]:
حَدَّثَنِي يزيد بن أبي حبيب، قال: سمعت أبا الخير [مرثد بن عبد الله اليزني]، يقول: رأيت أبا تميم الجيشاني عبد الله بن مالك يركع ركعتين حين يسمع أذان المغرب، فأتيت عقبة بن عامر الجهني، فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم يركع ركعتين قبل المغرب، فقال