للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يبتدرون السواري لها إذا أذن المغرب؛ حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما، وقول ابن عمر: ما رأيت أحدًا يصليهما على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير قادح في ذلك؛ لأنه نفي غير محصور، وعجيب ممن زعم كونه محصورًا، إذ من المعلوم أن كثيرًا من الأزمنة في عهده - صلى الله عليه وسلم - لم يحضره ابن عمر، ولا أحاط بما يقع فيه، على أنه لو فرض الحصر فالمثبت معه زيادة علم، فليقدَّم، كما قدَّموا رواية مثبت صلاته عليه الصلاة والسلام في الكعبة على رواية نافيها مع اتفاقهما على أنهما كانا معه فيها.

مع أن مدعاه نفي الرؤية، ولا يلزم من عدم رؤيته نفي رؤية غيره، وبفرض التساقط يبقى معنا "صلوا قبل المغرب ركعتين" لعدم المعارض له، والخبر الصحيح: "بين كل أذانين"؛ أي: أذان وإقامة "صلاة"؛ إذ هو يشملهما نصًا".

* وروي النفي أيضًا من طريق آخر:

رواه نعيم بن حماد: حَدَّثَنَا ابن المبارك: أخبرنا شعبة، عن قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيب: إن أبا سعيد الخدري كان يصلي الركعتين قبل المغرب، فقال: كان ينهى عنهما، ولم أدرك أحدًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما غير سعد بن مالك - رضي الله عنه -.

أخرجه الطحاوي في المشكل (١٤/ ١٢٢/ ٥٥٠١ م).

قلت: ولا يثبت هذا؛ لا من حديث شعبة، ولا من حديث ابن المبارك، تفرد به: نعيم بن حماد المروزي، وهو: ضعيف، يروي المناكير عن الثقات، ويروي ما لا أصل له، يشبَّه عليه [انظر: التهذيب (٤/ ٢٣٤)، الميزان (٤/ ٢٦٧)].

• ورواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: ما رأيت فقيهًا يصلي [الركعتين] قبل المغرب؛ إِلَّا سعد بن أبي وقاص.

أخرجه ابن أبي شيبة (٢/ ١٣٧/ ٧٣٨٦)، وعلقه ابن حزم في المحلى (٢/ ٢٥٧).

ولا يثبت هذا من حديث ابن أبي عروبة؛ فإن وكيعًا سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط [الجرح والتعديل (٩/ ٣٧)، الكفاية (١٣٦)].

• وروى معمر بن راشد، عن الزُّهري، عن ابن المسيب، قال: كان المهاجرون لا يركعون الركعتين قبل المغرب، وكانت الأنصار تركع بهما، قال الزُّهري: وكان أنس يركعهما.

أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٤٣٥/ ٣٩٨٤).

وهذا إسناد صحيح إلى ابن المسيب، يحكي حال عدد من الصحابة ممن أدركهم، فأثبت لبعضهم فعل الركعتين بعد المغرب، ونفاه عن بعضهم وهم المهاجرون عامة، وقد ثبت عن عبد الرحمن بن عوف أنه كان يصليهما وهو من المهاجرين، وقول أنس في هذا أولى من قول ابن المسيب؛ إذ كان أعلم منه بحال الصحابة، لاسيما على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن كبار الصحابة كانوا يصلونها على عهد النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد أقرهم على

<<  <  ج: ص:  >  >>