قلت: وزياد البكائي: ضُعِّف في غير ابن إسحاق [انظر: التهذيب (٣/ ١٩٦)].
• وأما حكم المسألة: فهي من مسائل الإجماع:
قال ابن المنذر في الأوسط (١/ ١٠٩): "وقد أجمع أهل العلم على أن لمن تطهر للصلاة أن يصلي ما شاء بطهارته من الصلوات إلا أن يحدث حدثًا ينقض طهارته".
وقال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم يحدث، وكان بعضهم يتوضأ لكل صلاة استحبابًا وإرادة الفضل".
وقال البغوي: "يجوز الجمع بين الصلوات بوضوء واحد عند عامة أهل العلم، وتجديد الوضوء مستحب إذا كان قد صلى بالوضوء الأول صلاة، وكرهه قوم إذا لم يكن قد صلى بالوضوء الأول صلاة فرضًا أو تطوعًا" [شرح السُّنَّة (١/ ٣٢٥)].
• لكنهم اختلفوا: هل كان الوضوء لكل صلاة واجبًا ثم نسخ، أم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله استحبابًا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز؟
وكلاهما محتمل.
ومنشأ الخلاف من فهم الدلالة من قول الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦]، فإن ظاهرها إيجاب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة طاهرًا أو غير طاهر، فلما جاءت السُّنَّة بينت المراد من هذا الأمر؛ قال الطبري في تفسيره: "وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب: قول من قال: إن الله عنى بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦] جميع أحوال قيام القائم إلى الصلاة؛ غير أنه أمر فرض بغسل ما أمر الله بغسله القائم إلى صلاته بعد حدث كان منه ناقض طهارته، وقبل إحداث الوضوء منه.
وأمر ندب لمن كان على طهر قد تقدم منه، ولم يكن منه بعده حدث ينقض طهارته.
ولذلك كان عليه السلام يتوضأ لكل صلاة قبل فتح مكة، ثم صلى يومئذ الصلوات كلها بوضوء واحد، ليعلم أمته أن ما كان يفعل عليه السلام من تجديد الطهر لكل صلاة، إنما كان منه أخذًا بالفضل، وإيثارًا منه لأحب الأمرين إلى الله، ومسارعة منه إلى ما ندبه إليه ربه، لا على أن ذلك كان عليه فرضًا واجبًا ... "، ثم شرع يتأول حديث عبد الله بن حنظلة المتقدم برقم (٤٨).
قلت: قد ثبت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلى صلاتي العصر والمغرب بوضوء واحد، وذلك في عام خيبر، يعني: قبل فتح مكة بزمان؛ فقد روى يحيى بن سعيد قال: أخبرني بشير بن يسار، قال: أخبرني سويد بن النعمان، قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر، حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر، فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق، فأكلنا وشربنا، ثم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المغرب فمضمض، ثم صلى لنا المغرب، ولم يتوضأ.
أخرجه البخاري في الصحيح (٢٠٩ و ٢١٥ و ٢٩٨١ و ٤١٧٥ و ٤١٩٥ و ٥٣٨٤ و ٥٣٩٠ و ٥٤٥٤ و ٥٤٥٥)، وفي التاريخ الكبير (٤/ ١٤١)، والنسائي (١/ ١٠٨/ ١٨٦)،