للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن غالبها يمكن حمله على أنه فعلها لسبب، فحديث أم هانئ في صلاته - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ثمان ركعات ضحى، إنما كانت من أجل الفتح، قال ابن العربي في المسالك (٣/ ٨٧): "فإن تلك الصلاة لم تكن صلاة الضحى، ولا كان المقصود بها الضحى، إنما كان المقصود بها شكر الله تعالى على ما وهب من الفتح وجميل الصنع والعافية والنصر"، وقال في القبس (١/ ٣٣٥): "فكان ذلك في الضحى بالاتفاق لا بالقصد"، والدليل على صحة ما ذهب إليه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت عنه بإسناد صحيح مشهور أنه صلى الضحى ثماني ركعات إلا في هذا اليوم، وعليه يحمل حديث أنس، وقد ثبت عن أم هانئ أنها قالت: فلم أره سبَّحها قبلُ ولا بعدُ، ولم يثبتها بعد ذلك، وكانت عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا صلى صلاة أثبتها، فقد روى يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة؛ أن عائشة - رضي الله عنه - حدثته، قالت: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دُووِم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها.

وفي رواية: "خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا"، وكان أحب الصلاة إليه ما داوم عليها منها وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.

أخرجه البخاري (١٩٧٠)، ومسلم (٧٨٢/ ١٧٧ - كتاب الصيام). وتقدم تخريج موضع الشاهد منه تحت الحديث رقم (١٢٧٣).

فلو كان - صلى الله عليه وسلم - صلى هذه الصلاة يوم الفتح لكونها صلاة الضحى لأثبتها بعد ذلك؛ كما فعل في ركعتي الظهر لما قضاهما بعد العصر، فأثبتهما بعد العصر حتى قبضه الله تعالى.

وكذلك صلاته - صلى الله عليه وسلم - في بيت عتبان بن مالك، كانت لسبب أيضًا، فإن عتبان قال له: إني أنكرت بصري، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي، فوددت أنك جئت، فصليت في بيتي مكانًا أتخذه مسجدًا، فغدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر معه بعدما اشتدَّ النهار فصلى في بيته، وفي معناه حديث أنس أيضًا، وحديث عائشة من أصرح الأدلة في ذلك حين قالت: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه، ويدل عليه: حديث كعب بن مالك، وحديث جابر، وقد أطال ابن القيم في الزاد في عرض أدلة القول بأن صلاة الضحى لا تصلى إلا لسبب، ثم قال (١/ ٣٥٧): "ومن تأمل الأحاديث المرفوعة وآثار الصحابة، وجدها لا تدل إلا على هذا القول، وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها، فالصحيح منها كحديث أبي هريرة وأبي ذر لا يدل على أنها سنة راتبة لكل أحد، وإنما أوصى أبا هريرة بذلك، لأنه قد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة، فأمره بالضحى بدلًا من قيام الليل، ولهذا أمره ألا ينام حتى يوتر، ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة".

قلت: إعراض الشيخين أبي بكر وعمر عن هذه الصلاة، وعدم المواظبة عليها في وقت الضحى، حتى نقل عنهما ابن عمر أنهما لم يكونا يصليانها، فيه دليل على ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>