لكن الأحاديث الصريحة الصحيحة في الباب عن: أبي هريرة، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وزيد بن أرقم، ونعيم بن همار، وغيرهم تدل بمجموعها على مشروعية صلاة الضحى وفضلها، والله أعلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (٢٢/ ٢٨٤):"ومن هذا الباب صلاة الضحى؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يداوم عليها باتفاق أهل العلم بسنته، ومن زعم من الفقهاء أن ركعتي الضحى كانتا واجبتين عليه، فقد غلط، والحديث الذي يذكرونه: "ثلاث هن عليَّ فريضة، ولكم تطوع: الوتر، والفجر، وركعتا الضحى": حديث موضوع، بل ثبت في حديث صحيح لا معارض له: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وقت الضحى لسبب عارض؛ لا لأجل الوقت، مثل أن ينام من الليل، فيصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة، ومثل أن يقدم من سفر وقت الضحى، فيدخل المسجد فيصلي فيه، ومثل ما صلى لما فتح مكة ثماني ركعات، وهذه الصلاة كانوا يسمونها صلاة الفتح؛ وكان من الأمراء من يصليها إذا فتح مصرًا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما صلاها لما فتح مكة، ولو كان سببها مجرد الوقت كقيام الليل، لم يختص بفتح مكة؛ ولهذا كان من الصحابة من لا يصلي الضحى".
ثم ذكر الأحاديث الصحيحة الدالة على مشروعية صلاة الضحى، ثم قال:"وهذه الأحاديث الصحيحة وأمثالها تبين أن الصلاة وقت الضحى حسنة محبوبة".
قلت: وهذا القول عندي أعدل الأقوال، في التفريق بين فعله - صلى الله عليه وسلم - لهذه الصلاة المتعلق بسبب، وبين قوله العام للأمة الدال على المشروعية دون قيد، ويؤيد ذلك: عدم ورود أثر صحيح يدل على اختصاص أبي هريرة أو غيره بهذه الوصية، بدليل تكرار عين الوصية لأبي هريرة وأبي الدرداء وأبي ذر، بل قد ثبت عن أبي هريرة بإسناد صحيح أنه كان يأخذ حظه ونصيبه من قيام الليل:
فقد روى مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب، أنه سأل أبا هريرة: كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوتر؟ فسكت عنه أبو هريرة، ثم سأله، فسكت، ثم سأله، فقال: إن شئتَ أخبرتُك كيف أصنعُ؟ قال: فقلت له: فأخبرني، فقال: إذا صليتُ العشاء صليتُ بعدها خمس ركعات، ثم أنام، فإن صليتُ من الليل؛ صليتُ مثنى مثنى، وإن أصبحتُ؛ أصبحتُ على وتر.
أخرجه مالك في الموطأ (٣٠١ - رواية أبي مصعب الزهري)(٢٥٠ - رواية محمد بن الحسن الشيباني)، ومن طريقه: الطحاوي (١/ ٣٤٣)، والبيهقي (٣/ ٣٧)، [الإتحاف (١٦/ ٢٦٤/ ٢٠٧٤٩)].
ويدل على ذلك أيضًا: عموم حديث نعيم بن همار قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"يقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لا تُعجِزني من أربعِ ركَعاتٍ في أول نهاركَ أكْفِكَ آخرَه"، وهو حديث صحيح، تقدم برقم (١٢٨٩)، وحديث زيد بن أرقم أنه رأى قومًا يصلون من الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن