قلت: هذا حديث غريب من حديث شعبة؛ حيث تفرد به عنه هكذا: قرة بن حبيب، وهو مقل جدّاً عن شعبة؛ بل لم يذكر في أصحابه [انظر: رجال عروة بن الزبير (١٣٦ - ١٣٩)]، وهو وإن وثقه أبو حاتم والدارقطني؛ فلم يكثر عنه البخاري، فقد أخرجٍ له موضعاً واحداً في الصحيح في الرقائق في غزوة خيبر توبع على أصله، وأخرج له موضعًا واحدًا في الأدب المفرد (٥٠٢)، وموضعًا آخر متابعة في خلق أفعال العباد (٦٩) [التهذيب (٣/ ٤٣٧)].
وابنه علي: روى عنه جماعة من الحفاظ، ولم يكثروا عنه، فأخرج له ابن خزيمة في صحيحه هذا الحديث وحده، وقد تفرد به، وأخرج له البزار في مسنده ثلاثة أحاديث فقط (٦/ ٢٥٢ و ٢٥٥/ ٢٢٩٢) و (٩/ ٣٦٧/ ٣٩٤٤) و (١٥/ ٢٥٣/ ٨٧١٦)، ولم يكثر عنه ابن صاعد، وأكثر أحاديثه غرائب، وقد أشار إلى ذلك البزار والطبراني [انظر: المعجم الأوسط (١٣٩٥)]، مع قلة اعتناء المحدثين بحديثه.
وأما قول البرذعي لأبي زرعة:"قرة بن حبيب تغير؟ " فقال أبو زرعة: "نعم؛ كنا أنكرناه بآخره؛ غير أنه كان لا يحدث إلا من كتابه، ولا يحدث حتى يحضر ابنه"، ثم ذكر في ذلك قصة طويلة تدل على أن ابنه كان يحفظه من التلقين، ويمنع أن يُدخَلَ عليه ما ليس من حديثه، والشاهد من القصة قول ابنة قرة:"ولا آمن أن يغلطوك، أو يدخلوا عليك ما ليس من حديثك، فلا تخرج إليهم حتى يجيء أخي"، تعني: علي بن قرة [سؤالات البرذعي (٢/ ٥٧٥)]؛ فهذه القصة وحدها ليست كافية لوصف علي بن قرة بالضبط لكتاب أبيه، لا سيما مع عدم اعتماد الحفاظ على روايته عن أبيه، واللّه أعلم.
ثم إن قرة بن حبيب قد خولف في هذا الحديث عن شعبة، خالفه من هو أثبت من مثله مائة مرة؛ فقد رواه عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة به فأوقفه:
° قال ابن حجر في الإتحاف:"رواه ابن جرير، عن ابن المثنى، وسعيد بن الربيع، عن ابن مهدي، عن شعبة به، ولم يرفعه".
وإنما يُعرف عبد الرحمن بن بابي بهذا الإسناد، وبهذا الحديث وحده، وسياق ترجمته عند البخاري وأبي حاتم يدل على ترجيح الوقف، حيث قالا:"سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - قوله، روى عنه يعلى بن عطاء"، وبهذا أيضاً ترجم له ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (٥/ ٢٦٣)، الجرح والتعديل (٥/ ٢١٦)، الثقات (٥/ ١٩٧، الثقات لابن قطلوبغا (٦/ ٢٣١)].
وبناء على ما تقدم ذكره؛ فإن هذه الزيادة التي في آخره:"فحُلُّوا عُقَدَ الشيطان ولو بركعتين": لا تثبت مرفوعة من حديث أبي هريرة، ولو ثبتت من رواية ابن مهدي عن شعبة؛ لكانت من قول أبي هريرة، موقوفة عليه، والله أعلم.
وبعد كتابة هذا البحث بأكثر من عام طبع جزء من حديث علي ابن المديني، وقد اشتمل على ما يؤكد وقفه على أبي هريرة: