صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض [شهر] رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه [البخاري (٢٠٠٢). ومسلم (١١٢٥). ويأتي تخريجه عند أبي داود برقم (٢٤٤٢)] [والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، ليس هذا موضع إيرادها].
وهذا فضلاً عن كون شهر الله المحرم هو الشهر الذي نجى الله فيه موسى، في يوم عاشوراء منه، وهذا ثابت في الصحيحين من حديث ابن عباس.
فقد روى الشيخان من حديث: سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيماً له، [وفي رواية: فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه]، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نحن أولى بموسى منكم"، فأمر بصومه [وفي رواية: فصامه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بصيامه] [البخاري (٢٠٠٤)، ومسلم (١١٣٠)، ويأتي تخريجه في السنن برقم (٢٤٤٤) إن شاء الله تعالى].
* بل قد جزم ابن عباس بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صيامه ويفضله على غيره:
فقد روى الشيخان من حديث: عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء، وهذا الشهر؛ يعني: شهر رمضان.
وفي رواية: سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: ما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام يومًا يَطلُب فضلَه على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هدا الشهر؛ يعني: رمضان. [البخاري (٢٠٠٦)، ومسلم (١١٣٢)].
وعلى هذا فالصوم في شهر الله المحرم يوم عاشوراء مما اجتمع عليه أهل الكتاب، وقريش في الجاهلية، وصامه موسى -عليه السلام-، وصامه نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأمر المسلمين بصيامه.
وعلى هذا فلا يحمل الحديث على ظاهره من إرادة صوم شهر المحرم كله، فهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، وإنما أراد التنبيه على ما اشتمل عليه هذا الشهر من أيام فاضلة حث الشرع على صيامها، ومنها صيام التاسع والعاشر من المحرم، فضلاً عن بقية الأيام التي يشرع صيامها، وعليه فللصوم في شهر المحرم فضل على غيره من الشهور، بنص هذا الحديث مع الاقتران بفضل صوم عاشوراء، والله الموفق للصواب.
° قال ابن هبيرة في الإفصاح (٨/ ٢١٥): "وأرى في هذا الحديث إشارة إلى أنه لما كان القتال محرماً في المحرم، وكان انتهاز وقته للصوم فرصة؛ من أجل أن أوقات إباحة القتال لا يقتضي أن يكون المؤمن فيها صائماً؛ لما يضعف الصوم أهله، وكان ذلك في المحرم؛ ولأن القتال ربما أدى إلى السباب، والصائم مأمون بترك السباب، ولذلك جاء في الحديث في الصائم: "فإن امرؤ قاتله فليقل: إني صائم"".
٧ - حديث عبد الله بن عمر:
روى سفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد، ومعمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة