وقال ابن عبد البر في الاستذكار (١/ ٣٢٤): "وهو مرسل لا خلاف فيه؛ لأنه لم يسمع إبراهيم التيمي من عائشة"، وقال:"ولم يروه أيضًا غير أبي روق، وليس فيما انفرد به حجة".
• وبعد استعراض كلام الأئمة في هذا الحديث يظهر لنا أن فيه علتين:
الأولى: الانقطاع بين إبراهيم التيمي وعائشة، وهذا ظاهر من التأريخ، فإنه إذا كان لم يبلغ الأربعين، كما قال أبو داود، فتكون ولادته على أقصى تقدير: سنة (٥٢) على القول بأن وفاته كانت سنة (٩٢)، وعائشة - رضي الله عنها - توفيت سنة (٥٧)، كما صححه ابن حجر في التقريب (١٣٦٤)، فيكون له حينئذٍ من العمر: خمس سنوات، وهو كوفي، وعائشة كانت بالمدينة.
الثانية: تفرد أبي روق عطية بن الحارث به عن التيمي.
وأما تعليل الحديث بتليين أبي روق، فلا مستند له صحيح؛ فقد قال فيه أبو حاتم - مع تشدده في الرجال-: "صدوق"، وقال النسائي -وهو معروف بالتشدد أيضًا-: "ليس به بأس"، وقال أحمد بن حنبل -في رواية ابنه عنه-: "ليس به بأس"، وقال في رواية أبي داود عنه:"مقارب الحديث، ثقة"، فهي تفسر التي قبلها، يعني: أنه في حديثه يقارب حديث الثقات، وليس هو في المرتبة العليا منهم، وقال يعقوب بن سفيان مرة:"لا بأس به"، وقال أخرى:"ثقة"، يعني: من جهة عموم التوثيق، وإلا فهو نازل عن هذه المرتبة، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يذكر أنه ممن يخطئ في روايته، وقال ابن عبد البر في الاستغناء (٧١١): "هو عندهم: صدوق، ليس به بأس، صالح الحديث".
وأما يحيى بن معين، فقد روى عنه إسحاق بن منصور الكوسج قوله:"صالح"، ونقل البيهقي في المعرفة عن الدوري عن ابن معين قوله:"أبو روق: ليس بثقة".
والحق أن هذا إنما هو خطأ في النقل من البيهقي -رحمه الله تعالى-، وإنما قال ابن معين هذا في ابن أبي روق، فالذي في تاريخ الدوري عن ابن معين:"ابن أبي روق: قد رأيته، وليس بثقة"، ونقله عن الدوري هكذا دون قوله:"قد رأيته": ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، في ترجمة يحيى بن أبي روق.
وعلى هذا النقل الخاطئ يحمل قول البيهقي فيه:"ليس بقوي"، فهو جرح غير معتمد، لضعف مستنده.
وأما ابن حزم وتضعيفه لأبي روق فلا حجة فيه، إذ هو ليس من أئمة هذا الشأن، فلا عبرة بما يتفرد به عن الأئمة النقاد.
[انظر، مع مصادر التخريج المتقدمة: التاريخ الكبير (٧/ ١٣)، الجرح والتعديل (٦/ ٣٨٢) و (٩/ ١٨٠)، تاريخ ابن معين رواية عباس الدوري (٣/ ٣٠٩)، الثقات (٧/ ٢٧٧)، طبقات ابن سعد (٦/ ٣٦٩)، العلل ومعرفة الرجال (٢/ ٥١/ ١٥٢١)، سؤالات أبي داود (٣٩٠)، المعرفة والتاريخ (٣/ ١٠٦ و ١٩٩)، التهذيب (٥/ ٥٩٠)، الميزان: لم يذكره