قلت: حديث: عمرو بن دينار؛ أنه سمع عمرو بن أوس الثقفي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، يقول: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الصيام إلى الله صيام داود: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى اللّه صلاة داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه".
أخرجه البخاري (١١٣١ و ٣٤٢٠)، ومسلم (١١٥٩). وسيأتي تخريجه - إن شاء الله تعالى - في باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة، عند الأحاديث رقم (١٣٦٨ - ١٣٧٠)، وهو في السنن برقم (٢٤٤٨).
وقال ابن الملقن في التوضيح (٩/ ٦٠): "وقولها: "ما ألفاه السحر عندي إِلَّا نائمًا"؛ أي: مضطجعًا على جنبه؛ لأنها قالت في حديث آخر: فإن كنت يقظانة حَدَّثَنِي وإلا اضطجع حتى يأتيه المنادي للصلاة؛ فتحصل بالضجعة الراحة من نصب القيام، ولما يستقبله من طول صلاة الصبح؛ ولذلك وإن ينام عند السحر" [وانظر: شرح ابن بطال (٣/ ١٢٣)، إكمال المعلم (٣/ ٨٨)، الفتح لابن رجب (٦/ ٢٢٠)، الفتح لابن حجر (٣/ ١٧)].
وقد تُعُقب هذا التأويل، قال ابن حجر في الفتح (٣/ ١٨) في حكاية كلام ابن رشيد في التعقب: "لأن السياق ظاهر في النوم حقيقة، وظاهر في المداومة على ذلك، ولا يلزم من أنه كان ربما لم ينم وقت السحر هذا التأويل، فدار الأمر بين حمل النوم على مجاز التشبيه، أو حمل التعميم على إرادة التخصيص، والثاني أرجح، وإليه ميل البخاري؛ لأنه ترجم بقوله: من نام عند السحر، ثم ترجم عقبه بقوله: من تسحر فلم ينم، فأومأ إلى تخصيص رمضان من غيره، فكان العادة جرت في جميع السنة أنه كان ينام عند السحر، إِلَّا في رمضان فإنه كان يتشاغل بالسحور في آخر الليل، ثم يخرج إلى صلاة الصبح عقبه".
* قلت: مما جاء في معنى حديث أبي سلمة هذا عن عائشة: "ما ألفاه السحر عندي إِلَّا نائمًا"؛ ما صح عن ابن عباس؛ مما يدل على نومه - صلى الله عليه وسلم - بعد وتره، وقبل الفجر:
فقد روى مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن غريب، عن ابن عباس؛ في قصة مبيته عند خالته ميمونة، وموضع الشاهد منه: ثم أوتر، ثم اضطجع، حتى أتاه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح أيأتي عند أبي داود برقم (١٣٦٧)، وهو في الموطأ (٣١٧)، والبخاري (١٨٣ و ٩٩٢ و ١١٩٨ و ٤٥٧٠ - ٤٥٧٢)، ومسلم (٧٦٣/ ١٨٢)].
وأما حديث عروة وأبي سلمة عن عائشة فيدل ظاهره على أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يصِلُ صلاة الليل بركعتي الفجر ثم يضطجع بعدهما؛ يعني: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في وقت السحر، فلم يكن الاضطجاع عندئذ في وقت السحر، وإنما كان بعد طلوع الفجر:
ففي روايةٍ عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: كان النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى من الليل ثم أوتر صلى الركعتين؛ فإن كنت مستيقظة حَدَّثَنِي، وإلا اضطجع حتى يأتيه المنادي [وهذا أصله في مسلم (٧٤٣). تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٢٦٣)].