للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

° وقد رجح أبو زرعة هاتيك المراسيل على الموصول من حديث علي:

قال ابن أبي حاتم في العلل (٢٧٠): "وسمعت أبا زرعة وسئل عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قيل له: إن أبا بكر كان يخافت قراءته بالليل، وإن عمر كان يجهر.

فرواه زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ عن علي؛ قال: ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.

ورواه إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع؛ قال: بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك.

فقيل لأبي زرعة في هذين الحديثين، وأن عمار كان يأخذ من هذه السورة، فيقرأ آيات، ثم يصير إلى سورة أخرى، فيقرأ آيات.

وروى سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمر مولى غُفرة عمن حدثه، كلهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بأبي بكر وهو يخافت صوته بالقراءة، ومر بعمر وهو يجهر، ومر ببلال وهو يقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة؛ بدلًا من عمار.

فقيل لأبي زرعة: فما الصحيح عندك: بلال أو عمار؟

فقال أبو زرعة: رواه المدنيون على أنه بلال، وهم أعلم، وإن كان روايتهم مرسلًا، فلولا أنهم سمعوه من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما كانوا يقولونه".

° قلت: نعم؛ قد روي هذا الحديث مرسلًا عن: عبد الله بن رباح، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وزيد بن يثيع، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وعطاء، وعمر مولى غُفرة.

وهذا لا يكفي في إثبات صحة الحديث في قصة أبي بكر وعمر في المخافتة والجهر، فيبقى الحديث ضعيفًا لإرساله، مع اشتمال بعض طرقه على سبب نزول الآية خلافًا لما في الصحيحين، كما لم يثبت الحديث من وجه واحد موصولًا، والله أعلم.

وأئمة الحديث على عدم الاحتجاج بالمرسل؛ إنما يحتج بالأسانيد الصحيحة المتصلة، كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا، ويقول: "هو بمنزلة الريح"، ويقول: "هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه"، وقال علي بن المديني: "قلت ليحيى بن سعيد: سعيد بن المسيب عن أبي بكر؟ قال: ذاك شبه الريح"، وقال أيضًا: "سمعت يحيى يقول: مالك عن سعيد بن المسيب أحب إليَّ من سفيان عن إبراهيم، قال يحيى: وكلٌّ ضعيف"، وقال أيضًا: "سمعت يحيى يقول: سفيان عن إبراهيم: شبه لا شيء؛ لأنه لو كان فيه إسناد صاح به"، وقال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: لا يحتج بالمراسيل، ولا تقوم الحجة إلا بالأسانيد الصحاح المتصلة، وكذا أقول أنا" [المراسيل (١ - ١٥)، الجرح والتعديل (١/ ٢٤٣)].

وقال ابن حبان في المجروحين (٢/ ٧٢): "والمرسل والمنقطع من الأخبار: لا يقوم بها حجة؛ لأن الله جلَّ وعلا لم يكلف عباده أخذ الدين عمن لا يعرف، والمرسل والمنقطع ليس يخلو ممن لا يعرف، وإنما يلزم العباد قبول الدين الذي هو من جنس الأخبار إذا كان من رواية العدول؛ حتى يرويه عدل عن عدل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موصولًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>