• وفي معرض الرد على من قال فيها بقول أبي بن كعب، وأنها على الدوام تكون ليلة سبع وعشرين:
فيقال: أولاً: الوقائع النبوية تبين وقوعها في غير تلك الليلة، فقد وقعت في إحدى وعشرين، كما في حديث أبي سعيد، وقد وقعت أيضًا في ثلاث وعشرين، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أنيس بالنزول فيها لإدراك ليلة القدر، وقد أمر الصحابة بطلبها في ليلة ثلاث وعشرين، كما في حديث أبي هريرة، وقد رأى ابن عباس في المنام أنها كانت في ليلة ثلاث وعشرين.
ثانيًا: جاءت أحاديث بالأمر بالتماس ليلة القدر في ليالٍ بعينها، وليس منها ليلة سبع وعشرين:
مثل حديث ابن عباس:"التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى" [البخاري (٢٠٢١)، وتقدم تخريجه برقم (١٣٨١)].
ومثل حديث أبي سعيد الخدري:"التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" [مسلم (١١٦٧/ ٢١٧)، وتقدم تخريجه برقم (١٣٨٣)].
ومثل حديث عبادة بن الصامت، "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرُفِعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في العشر الأواخر؛ في التاسعة، والسابعة، والخامسة" [البخاري (٤٩ و ٢٠٢٣ و ٦٠٤٩)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٣٧٢)].
وسبق تفسير هذه الليالي بأنَّها: إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، فلم يأمر بالتماسها في تلك الوقائع في ليلة سبع وعشرين.
ثالثاً: أن ذلك إنما كان مجرد استدلال واجتهاد من أبي بن كعب، ولا يلزم الأمة مثل هذا الاستدلال مع وجود المعارض القوي الذي سبق ذكره.
رابعاً: في قصة جمع عمر للصحابة - رضي الله عنهم - لسؤالهم عن ليلة القدر، ما يدل على عدم اتفاقهم على كونها في سبع وعشرين، ففي رواية: فقال بعضهم: ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال آخر: خمس، وفي رواية: فقال رجل: تاسعة سابعة خامسة ثالثة، وفي أخرى: فأجمعوا أنها في العشر الأواخر، فقال ابن عباس: سابعة تمضي، أو سابعة تبقى من العشر الأواخر، يعني: أنها في الثالثة والعشرين أو السابعة والعشرين، وفي هذا دليل من أكابر الصحابة الذين جمعهم عمر على تنقلها في الوتر من أيام العشر على مدار الأعوام، والشاهد أنه دليل على كونها لم تكن ثابتة في ليلة بعينها، والله أعلم.
ونختم بقول القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (١/ ٤٥١): "ليلة القدر في العشر الأواخر، وليس فيها تعيين ثابت؛ خلافاً لمن عين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "التمسوها في العشر الأواخر"، وروي: "من كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"، وهذا ينفي التعيين".