الحولاء بنت تويت، وقد زعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنام الليل! خذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا [أخرجه مسلم (٧٨٥/ ٢٢٠)]، وفي روايةٍ: "مه، عليكم من العمل ما تطيقون، فوالله! لا يمل الله حتى تملوا"، قالت عائشة: وكان أحبَّ الدين إليه ما داوم عليه صاحبه [أخرجه البخاري (٤٣ و ١١٥١)، ومسلم (٧٨٥/ ٢٢١)، [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٣٦٨)].
كما أنكر على الثلاثة الذين جاؤوا إلى بيوت أزواجه مقالتهم، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرتد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". أخرجه البخاري (٥٠٦٣)]. وقد سبق بيان هذا المعنى مرارًا في هذا البحث، وفي الموضع المشار إليه من الفضل، فليراجع بأدلته الوافرة.
كذلك: فإنه لم يثبت في قصة عبد الله بن عمرو هذه قوله - صلى الله عليه وسلم - لعامة الأمة: "لم يفقه من قرأ القرأن في أقل من ثلاث".
وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - ابتدأه بشهر، فقال: "اقرإ القرآن في كل شهر"، ولم يثبت أنه ابتدأه بأربعين يومًا.
والأقرب أن ذلك يختلف باختلاف أحوال المكلفين، وما تهيأ لهم من الوقت والنشاط والقدرة على ذلك، فهو كما روي عن أحمد: أن التوقيت في ذلك غير مقدَّر، وهو على حسب ما يجد المكلف من النشاط والقوة.
فلو قرأ القرآن في أسبوع، ولازم ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة، والمحافظة على النوافل الراتبة، مع الأذكار المأثورة الثابتة، مع النظر في العلم النافع والاشتغال به، مخلصًا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل، وزجر الفاسق، مع أداء الواجبات، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار، والصدقة وصلة الرحم، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة حتى يبلغ رتبة أولياء الله المتقين؛ فلا شك أن هذا هو سبيل المؤمنين، وهدي خير المرسلين، خلافًا للرهبانية التي نهى عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحذر منها أمته، وخير له من أن يشغل نفسه بالختم كل ليلة، فيمنعه ذلك من القيام ببقية أنواع العبادة، كما نبه على ذلك الخطابي وغيره، والله أعلم.
* فلو قيل: إن عثمان قد قرأ القرآن كله في ليلة:
(أ) فقد روى فليح بن سليمان [مدني، صدوق، كثير الخطأ، احتج به البخاري]، عن محمد بن المنكدر [مدني، تابعي ثقة، من الطبقة الثالثة]، عن عبد الرحمن بن عثمان