للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال القرطبي في المفهم (٢/ ٣٦٧): "قد أشكلت هذه الأحاديث على كثير من العلماء حتى إن بعضهم نسبوا حديث عائشة في صلاة الليل إلى الاضطراب.

وهذا إنما كان يصح لو كان الراوي عنها واحدًا أو أخبرت عن وقتٍ واحدٍ، والصحيح أن كل ما ذكرته صحيح من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز".

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٣/ ١٠): "المثال الثالث والسبعون: ردُّ السُّنَّة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة، كحديث أم سلمة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام، رواه الإمام أحمد، وكقول عائشة -رضي الله عنها-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرهن، متفق عليه [قلت: انفرد به مسلم]، وكحديث عائشة -رضي الله عنها-، أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، ... "، فذكر الحديث، ثم قال: "وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها، فردت هذه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الليل مثنى مثنى" وهو حديث صحيح، ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالتسع والسبع والخمس، وسننه كلُّها حقٌّ يصدِّق بعضها بعضاً، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى، ولم يسأله عن الوتر، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها، وللخمس والسبع والتسع المتصلة، كالمغرب اسم للثلاث المتصلة، فإن انفصلت الخمس والسبع والتسع بسلامين كالإحدى عشرة كان الوتر اسماً للركعة المفصولة وحدها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الليل مثنى [مثنى]، فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة توتر له ما صلى"، فاتفق فعله -صلى الله عليه وسلم- وقوله، وصدَّق بعضه بعضاً، وكذلك يكون ليس إلا، وإن حصل تناقض فلا بد من أحد أمرين، إما أن يكون أحد الحديثين ناسخاً للآخر، أو ليس من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن كان الحديثان من كلامه وليس أحدهما منسوخاً فلا تناقض ولا تضاد هناك البتة، وإنما يؤتى من يؤتى هناك من قِبَل فهمه وتحكيمه آراء الرجال وقواعد المذهب على السُّنَّة، فيقع الاضطراب والتناقض والاختلاف، والله المستعان".

* قلت: فالكل صحيح من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوقات متعددة، وأحوال مختلفة، حسب النشاط والتيسير، ولتبيين أن كل ذلك جائز، والله أعلم.

* وأختم بما صح عن أبي موسى الأشعري، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، في التوسعة في عدد الوتر:

* فقد روى شعبة بن الحجاج، وحماد بن سلمة:

قال شعبة: حدثني أبو نعامة [السعدي: ثقة]، عن أبي تميمة، قال: كان أبو موسى إذا صلى بنا الغداة يمر بنا، فأتى عليَّ، فسأله رجل إلى جنبي عن الوتر، قال: ثلاث أحب إليَّ من واحدة، وخمس أحب إليَّ من ثلاث، وسبع أحب إليَّ من خمس.

<<  <  ج: ص:  >  >>