قلت: كلام محمد بن يحيى الذهلي يدل أيضًا على غرابة حديث محمد بن مطرف، وعدم اشتهاره، وأن هذا الحديث إنما كان يُعرف بعبد الرحمن بن زيد، وحديث الثقة إذا لم يشتهر عند أئمة زمانه وغاب عن أكثر النقاد، كالذهلي والترمذي وابن ماجه وابن نصر وابن عدي وابن شاهين، فيدل على شدة غرابته، أو أنهم وقفوا عليه إلا أنهم عدوه غريبًا مردودًا، فلم يعتبروا به، وصار عندهم كالعدم.
قال ابن رجب في الفتح (٦/ ٢٤٦): "ورده بعضهم بأن أبا سعيد روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أوتروا قبل أن تصبحوا"، وهذا يخالفه وليس كذلك؛ فإن الأمر بالإيتار قبل الصبح أمر بالمبادرة إلى أدائه في وقته، فإذا فات وخرج وقته، ففي هذا أمر بقضائه، فلا تنافي بينهما.
وفي تقييد الأمر بالقضاء لمن نام أو نسيه يدل على أن العامد بخلاف ذلك، وهذا متوجه؛ فإن العامد قد رغب عن هذه السنة، وفوتها في وقتها عمدًا، فلا سبيل له بعد ذلك إلى استدراكها، بخلاف النائم والناسي".
وانظر: زاد المعاد (١/ ٣١٣).
* وروى عامر الأحول، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الذي ينسى الصلاة، قال: "يصليها إذا ذكرها".
أخرجه أبو يعلى (٢/ ٤٠٧/ ١١٩٠)، والطبراني في الأوسط (٨/ ١٣٦/ ٨١٩٩).
وهذا حديث منكر؛ الحسن البصري: لم يسمع من أبي سعيد [المراسيل (١٣٠ و ١٣١) وغيره]، وعامر بن عبد الواحد الأحول البصري: ليس بالقوي، وثقه أبو حاتم [انظر: التهذيب (٢/ ٢٦٩)، الميزان (٢/ ٣٦٢)، راجع فضل الرحيم الودود (٥/ ٣٥٠/ ٤٤٧) و (٦/ ١٥/ ٥٠٢)].
قال الهيثمي في المجمع (١/ ٣٢٢): "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، وهو في السنن بلفظ: "من نام عن الوتر أو نسيه"".
* ومن شواهده:
١ - حديث ابن عمر:
أ- رواه أبو عصام رواد بن الجراح، قال: حدثنا نهشل، عن الضحاك، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من فاته الوتر من الليل فليقضه من الغد عند الضحى".
أخرجه ابن عدي في الكامل (٣/ ١٧٨) و (٧/ ٥٧)، والدارقطني (٢/ ٢٢)، وابن شاهين في الناسخ (٢١٤). [الإتحاف (٨/ ٤٧٥/ ٩٧٩٤)].
قال ابن عدي بعد أن أخرجه في ترجمة رواد؛ منكرًا به عليه: "ولرواد بن الجراح: أحاديث صالحة وإفرادات وغرائب، ينفرد بها عن الثوري وغير الثوري، وعامة ما يروي عن مشايخه لا يتابعه الناس عليه، وكان شيخًا صالحًا، وفي حديث الصالحين بعض النكرة؛ إلا أنه ممن يكتب حديثه".
ثم أخرجه مرة أخرى في ترجمة نهشل، وقال: "وهذه الأحاديث كلها عن الضحاك: غير محفوظة، ونهشل يرويها عن الضحاك".