العاشر: أن الأمام أحمد يعمل بآثار الصحابة ما وجد إلى ذلك سبيلًا؛ فلما لم يعمل بها في هذا الموضع، دل على أنه كان اجتهادًا منهم في مقابلة النص، ولا اجتهاد مع النص، لا سيما مع اختلافهم في ذلك، فطائفة وافقت السُّنَّة، والأخرى خالفتها باجتهادها، فأخذ بقول الموافق، وهجر قول المخالف، مع كونه من الخلفاء الراشدين، والله أعلم.
* ولا ينبغي الاحتجاج في هذا لمذهب الجمهور بحديث ثوبان:
الذي رواه معاوية بن صالح، عن شريح بن عبيد، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فقال: "إن هذا السفر جَهدٌ وثقَلٌ، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ، وإلا كانتا له".
وهو حديث غريب شاذ، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (١٣٥٢).
• ولا يصلح الاستدلال أيضًا لقول الجمهور بحديث عائشة:
الذي يرويه ابن لهيعة، عن عياش بن عباس القتباني، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي العتمة، ثم يصلي في المسجد قبل أن يرجع إلى بيته سبع ركعات، ... فذكر الحديث، وفيه أنه رجع إلى بيته فصلى ركعتين، ثم نام ثم قام فصلى ركعتين طويلتين، ثم رقد ثم صلى ركعتين طويلتين، وهو حديث باطل، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٤٢٢).
* وإنما يكفي في ذلك ما ثبت عن عائشة في الركعتين بعد الوتر:
مثل ما روى هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن يحيى، عن أبي سلمة، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة وكعة، يصلي ثمان وكعات، ثم يوتر [بركعة]؛ ثم يصلي ركعتين وهو جالسن، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح.
أخرجه مسلم (٧٢٤/ ٩١) و (٧٣٨/ ١٢٦)، وتقدم تخريجه برقم (١٣٤٠)، وراجع بقية طرقه هناك، وراجع أيضًا: الأحاديث رقم (١٣٤٢ - ١٣٥٢).
قال الطحاوي (١/ ٣٤١): "فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تطوع بعد الوتر بركعتين وهو جالس، ولم يكن ذلك ناقضًا لوتره المتقدم".
* قال مالك: "من أوتر أول الليل، ثم نام، ثم قام، فبدا له أن يصلي فليصلِّ مثنى مثنى، وهذا أحبُّ ما سمعتُ إليَّ ".
* وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد (٢٩٦): "قلت: إذا أوتر أول الليل، ثم قام آخره فصلى؟ قال: أما أنا فلا يعجبني أن ينقض وتره".
وقال أبو داود في مسائله لأحمد (٤٦٣): "قلت لأحمد: نقض الوتر؟ قال: لا".
وقال أيضًا (٤٦٤): "سمعت أحمد يقول فيمن أوتر أول الليل، ثم قام يصلي، قال: يصلي ركعتين ركعتين. قيل: وليس عليه وتر؟ قال: لا.