ونقله ابن المنذر في الأوسط (٥/ ١٩٨) (٥/ ٩٨ - ط الفلاح) بتصرف.
وزاد ابن المنذر معنى جديدًا في أن العبادة التي اكتملت بأركانها وواجباتها، وأداها المكلف على الوجه الذي أمر به، فلا سبيل إلى نقضه؟ فقال: "ولا أعلم اختلافاً في أن رجلًا بعد أن أدى صلاة فرض كما فرضت عليه، ثم أراد بعد أن فرغ منها نقضها؛ أن لا سبيل له إليه، فحكم المختلف فيه من الوتر حكم ما لا نعلمهم اختلفوا فيه مما ذكرناه، وكذلك الحج، والصوم، والعمرة، والاعتكاف، لا سبيل إلى نقض شيء منها بعد أن يكملها".
وقال الطحاوي (١/ ٣٤٣): "فهذا ابن عباس -رضي الله عنهما-، وعائذ بن عمرو، وعمار، وأبو هريرة -رضي الله عنه-، وعائشة -رضي الله عنها-: لا يرون التطوع بعد الوتر ينقض الوتر.
فهذا أولى عندنا مما روي عمن خالفهم، إذ كان ذلك موافقًا لما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فعله وقوله.
والذي روي عن الآخرين أيضًا: فليس له أصل في النظر، لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يتطوعوا صلوا ركعة، فيشفعون بها وترًا متقدمًا، قد قطعوا فيما بينه وبين ما شفعوا به، بكلام وعمل ونوم، وهذا لا أصل له أيضًا في الإجماع، فيعطف عليه هذا الاختلاف.
فلما كان ذلك كذلك، وخالفه من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بمن ذكرنا، وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أيضًا خلافه، انتفى ذلك، ولم يجز العمل به ".
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في الإشراف على نكت مسائل الخلاف (١/ ٢٩٥): "مسألة: إذا أوتر وقام ثم بدا له أن يصلي فله ذلك، ولا يوتر ثانيةً؛ خلافاً لمن قال ذلك، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا وتران في ليلة"، وهذا نص ".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٢/ ١١٨): "فإن قيل: إن من شفع الوتر بركعة فلم يوتر في ركعة، قيل له: محال أن يشفع ركعة قد سلم منها، ونام مصليها، وتراخى الأمر فيها، وقد كتبها الملك الحافظ وترًا، فكيف تعود شفعًا؟! هذا ما لا يصح في قياس، ولا نظر، والله أعلم ".
وقال النووي في المجموع (٤/ ٣٢): "دليلنا السابق عن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا وتران في ليلة"، وقد سبق أن الترمذي قال: هو حديث حسن، ولأن الوتر الأول مضى على صحته؛ فلا يتوجه إبطاله بعد فراغه ".
وذكر ابن رجب في الفتح (٦/ ٢٥٦) في معرض الاستدلال لقول الجمهور: "وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قام أحدكم من الليل يصلي، فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين"، خرجه مسلم من حديث أبي هريرة، وهو عام فيمن كان أوتر قبل ذلك، ومن لم يوتر".
وانظر مثلًا: شرح التلقين (١/ ٧٨٠)، البيان شرح المهذب (٢/ ٢٧٢)، بداية المجتهد (١/ ٢١٤)، إحكام الأحكام (١/ ٣١٨)، النفح الشذي (٢/ ٢٩٣)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٣/ ٥٣٠).
***