للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالقنوت من السنن العوارض لا الرواتب؛ لأنه ثبت أنه تركه لما زال العارض، ثم عاد إليه مرة أخرى، ثم تركه لما زال العارض إلى أن قال: "ومن المعلوم قطعًا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لو كان كل يوم يقنت قنوتًا يجهر به لكان له فيه دعاء ينقله بعض الصحابة، ... ، وهذا مما يعلم باليقين القطعي، ... ، فإنه من الممتنع أن يكون الصحابة كلهم أهملوا نقل ذلك؛ فإنه مما يعلم بطلانه قطعًا: [مجموع الفتاوى (٢٢/ ٣٧٢)].

وقال أيضًا: "وليس أيضًا قوله في حديث أنس المتفق عليه: أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قنت شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب ثم تركه، أنه ترك الدعاء فقط؛ كما يظنه من ظن أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كان مداومًا على القنوت في الفجر بعد الركوع أو قبله، بل ثبت في أحاديث أنس التي في الصحيحين: أنه لم يقنت بعد الركوع إِلَّا شهرًا، وغير ذلك مما يبين أن المتروك كان القنوت، ... ، ومن تامل الأحاديث علم علمًا يقينًا أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يداوم على القنوت في شيء من الصلوات لا الفجر ولا غيرها؛ ولهذا لم ينقل هذا أحد من الصحابة؛ بل أنكروه، ولم ينقل أحد عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حرفًا واحدًا مما يظن أنه كان يدعو به في القنوت الراتب، وإنّما المنقول عنه ما يدعو به في العارض: كالدعاء لقوم وعلى قوم، فأما ما يدعو به من يستحب المداومة على قنوت الفجر من قول: [اللَّهُمَّ اهدنا فيمن هديت، فهذا إنما في السنن: أنه علمه للحسن يدعو به في قنوت الوتر [وقد سبق بيان عدم ثبوته في قنوت الوتر]، ثم من العجب: أنه لا يستحب المداومة عليه في الوتر الذي هو من متن الحديث، ويداوم عليه في الفجر، ولم ينقل عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قاله في الفجر، ومن المعلوم باليقين الضروري أن القنوت لو كان مما داوم عليه لم يكن هذا مما يهمل، ولتوفرت دواعي الصحابة ثم التابعين على نقله؛ فإنهم لم يهملوا شيئًا من أمر الصلاة التي كان يداوم عليها إِلَّا نقلوه؛ بل نقلوا ما لم يكن يداوم عليه: كالدعاء في القنوت لمعين وعلى معين، وغير ذلك" [مجموع الفتاوى (٢١/ ١٥٣)].

وقال أيضًا في الفتاوى الكبرى (٢/ ٢٤٨): "أن النَّبِيّ قنت لسبب نزل به ثم تركه عند عدم ذلك السبب النازل به، فيكون القنوت مسنونًا عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -.

فإن عمر - رضي الله عنه -: لما حارب النصارى قنت عليهم القنوت المشهور: اللهُمَّ عذب كفرة أهل الكتاب، إلى آخره. وهو الذي جعله بعض الناس سنة في قنوت رمضان، وليس هذا القنوت سنة راتبة، لا في رمضان ولا غيره، بل عمر قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاء يناسب تلك النازلة، كما أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لما قنت أولًا على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا بدعاء يناسب مقصوده، فسنة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:

أحدهما: أن دعاء القنوت مشروع عند السبب الذي يقتضيه، ليس بسنة دائمة في الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>