للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وروى قتادة، عن أبي مجلز، قال: صليت مع ابن عمر الصبح فلم يقنت، قلت: ما يمنعك من القنوت؛ قال: لا أحفظه عن أحد.

كما روى إبراهيم، عن أبي الشعثاء، قال: سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر، فقال: ما شعرت أن أحدًا يفعله.

وهذا محمول على إنكار القنوت في الفجر خاصة مع استدامته بغير سبب.

وأما ما ثبت عن عمر وغيره من الصحابة، فهو محمول على قنوت النوازل في قتال الكفار ونحوه، ولم يكن في الفجر على الدوام، فقد قنت عمر وترك، وقنت ابن عباس وترك، كما بيناه سألفًا في موضعه.

* قال الأثرم في الناسخ (٩٩): "فهذه الأحاديث مختلفة، وأثبتها ما روى قتادة والتيمي وعاصم عن أنس؛ أنه إنما قنت شهرًا، ثم تركه.

فأما حديث أنس الآخر: أنه ثم يزد يقنت حتى مات؛ فإنه حديت ضعيف، مخالف للأحاديث.

وأما حديث أبي مالك عن أبيه؛ فإنه أنكر القنوت، لأنه لم يشهده، وشهده غيره، وذلك لأن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إنما كان يقنت إذا دعى لقوم، أو دعى على قوم، ولم يكن يديمه، وكذلك فعلت الأئمة بعده: قنت أبو بكر الصديق على أهل الردة، وعمر على أهل فارس، وعلي حين حارب، ولم يكونوا يفعلونه دائمًا".

وقال شيخ الإسلام في فتاويه: "وأما أنه كان يدعو في الفجر دائمًا في الركوع أو بعده بدعاء يسمع منه أو لا يسمع: فهذا باطل قطعًا، وكل من تأمل الأحاديث الصحيحة علم هذا بالضرورة، وعلم أن هذا لو كان واقعًا لنقله الصحابة والتابعون، ولما أهملوا قنوته الراتب المشروع لنا؛ مع أنهم نقلوا قنوته الذي لا يشرع بعينه، وإنما يشرع نظيره؛ فإن دعاءه لأولئك المعينين وعلى أولئك المعينين ليس بمشروع باتفاق المسلمين؛ بل إنما يشرع نظيره، فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وفي غيرها من الصلوات" [مجموع الفتاوى (٢٢/ ٢٧٠)].

وقال أيضًا: "وأما القنوت: فأمره بيِّنٌ، لا شبهة فيه عند التأمل التام؛ فإنه قد ثبت في الصحاح: عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت في الفجر مرة يدعو على رعل وذكوان وعصية ثم تركه، ولم يكن تركه نسخًا له؛ لأنه ثبت عنه في الصحاح أنه قنت بعد ذلك يدعو للمسلمين: مثل الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين، ويدعو على مضر، وثبت عنه أنه قنت أيضًا في المغرب والعشاء، وسائر الصلوات، قنوت استنصار.

فهذا في الجملة منقول ثابت عنه؛ لكن اعتقد بعض العلماء من الكوفيين أنه تركه ترك نسخ، فاعتقد أن القنوت منسوخ، واعتقد بعضهم من المكيين أنه ما زال يقنت في الفجر القنوت المتنازع فيه حتى فارق الدنيا، والذي عليه أهل المعرفة بالحديث: أنه قنت لسبب وتركه لزوال السبب.

<<  <  ج: ص:  >  >>