كُفُوًا أَحَدٌ (٤)} يردِّدُها لا يزيد عليها، فلما أصبح أتى رجلٌ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إن فلاناً قام من الليل يقرأ من السَّحَر: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)} يردِّدُها لا يزيد عليها، كأنه يتقالها؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده! إنها لتعدل ثلث القرآن".
تنبيه: وقع في رواية بعضهم: عن عبد الله بن عبد الرحمن، انقلب على راويه؛ إنما هو: عبد الرحمن بن عبد الله، وقد نبه عليه النسائي.
* قال ابن عبد البر في التمهيد (١٩/ ٢٢٧): "هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت، لم يتجاوز به أبو سعيد، وليس بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد، وكذلك رواه يحيى القطان وغيره عن مالك"، ثم قال: "ورواه إسماعيل بن جعفر وإبراهيم بن المختار عن مالك بإسناده عن أبي سعيد عن قتادة بن النعمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقتادة بن النعمان: هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه، وهو رجل من كبار الأنصار من بني ظفر من الأوس، ... ".
ثم قال: "هذا الحديث سمعه أبو سعيد وقتادة جميعاً من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورواية الموطأ وغيرها تدل على ذلك".
قلت: متابعة إبراهيم بن المختار لا أظنها تثبت:
فقد أسندها أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (٥/ ٢٢٨)، وابن عبد البر في التمهيد (١٩/ ٢٣٠).
من طريق: محمد بن حميد الرازي، وهو: حافظ؛ أجمع أهل بلده على ضعفه، وكذبه بعضهم، وهو كثير المناكير [راجع ما تحت الحديث رقم (١٠٤٤)، والحديث رقم (١٣٠٢)]، ثم إن إبراهيم بن المختار التميمي الرازي: صدوق، ضعيف الحفظ، يُتقَى من حديثه ما كان من رواية ابن حميد عنه، وهذا قد رواه عنه: محمد بن حميد الرازي، والله أعلم.
قلت: نظر البخاري في محله، من جهة صحة رواية إسماعيل بن جعفر عن مالك، وعدم شذوذها مع مخالفتها لرواية جماعة رواة الموطأ عن مالك، وذلك لأمور: منها: مكانة إسماعيل بن جعفر.
ومنها: كونه مدنياً بلدياً لمالك، بل ومن أقرانه.
ومنها: أنه زاد في الإسناد رجلاً، والقول لمن زاد إذا كان ثقة حافظاً.
لكن لما كان مالك من طبعه كثرة التوقي والتحرز، فلعله شك في هذا الحرف بعد أن حدث به إسماعيل، فامتنع من التحديث به، فقصر بإسناده، وجعله من مسند أبي سعيد.
ولم ينفرد البخاري بهذا النقد البارع، بل قال به أيضاً أبو حاتم الرازي والدارقطني، وكلام مسلم في التمييز (٦٨) كأنه يشير إليه.
قال أبو حاتم في العلل (٤/ ٦٣٦/ ١٦٩٥): "كذا رواه إسماعيل بن جعفر، وهو صحيح، ورواه جماعة من أصحاب مالك، عن مالك، يقصرون به".