عبد الرحيم بن ميمون، وهؤلاء الثلاثة ما هم بالضعفاء ولا بالمتروكين، وتتابعهم على رواية هذا الحديث يدل على أن له أصلًا، وأنه من حديث علي بن رباح عن عقبة بن عامر، وقد سمع علي من عقبة [التاريخ الكبير (٦/ ٢٧٤)]، وهو من ثقات التابعين من أهل مصر، من الطبقة الثالثة.
لكن هل يعتمد عليهم في تأصيل حكم جديد؟
* وموضع الإشكال في هذا الحديث:
أن هذه الواقعة التي وقعت لعقبة بن عامر قد رواها عنه جمع من أصحابه، فلم يذكروا هذا المعنى الذي جاء في رواية هؤلاء: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة. وهذا التوقيت أمر تعبدي يحتاج إلى دليل ثابت بإسناد قوي.
* وأسوق هنا ما تقدم ذكره من أسانيد وألفاظ حديث عقبة، وكذلك ما سيأتي ذكره بعدُ، بحسب ورود ذلك في هذا البحث، بحيث يتبين لنا حال هذه الرواية:
أ- فقد روى معاوية بن صالح: حدثني العلاء بن الحارث الحضرمي، عن القاسم بن عبد الرحمن مولى معاوية بن أبي سفيان، عن عقبة بن عامر، قال: كنت أقود برسول الله -صلى الله عليه وسلم- راحلتَه في السفر، فقال:"يا عقبةُ، ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ " قلت: بلى، قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)}، فلما نزل صلى بهما صلاة الغداة، قال:"كيف رأيتَ يا عقبةُ؟ "، وفي رواية: فلم يرني أعجبتُ بهما، فصلى بالناس الصبح، فقرأ بهما، ثم قال لي:"يا عقبةُ كيف رأيتَ؟ ". وهو حديث حسن.
ب- ورواه سفيان الثوري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المعوذتين [أمِن القرآن هما؟]، قال عقبة: فأمَّنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهما في صلاة الفجر. وفي رواية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الغداة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)}. وهو حديث حسن.
ج- ورواه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر، قال: بينما أنا أقود برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نقب من تيك النقاب؛ إذ قال:"ألا تركب يا عُقْب؟ "، فأجللتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أن أركب مركب رسول الله، ثم قال:"ألا تركب يا عقب؟ "، فاشفقتُ أن تكون معصيةٌ، فنزل وركبتُ هنيهة، ثم نزلتُ وركب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال:"ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ "، فأقرأني: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)}، وأقيمت الصلاة، فتقدَّم فقرأ بهما ثم مرَّ بي، فقال:"كيف رأيتَ يا عقب؟ اقرأ بهما كلما نمتَ وقمتَ". وهو حديث حسن.
د- ورواه بقية بن الوليد، قال: حدثنا بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر، قال: أُهديت للنبي -صلى الله عليه وسلم- بغلةٌ شهباءُ فركبها، فأخذ عقبة يقودها به، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعقبة:"اقرأ"، قال: وما أقرأ يا رسول الله؟ قال:"اقرأ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)} "، فأعادها عليَّ، حتى قرأتها، فعرف أني