للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والذي يبدو لي -والله أعلم- أنه لا ثمة اختلاف بين ابن المبارك والجماعة: ذلك أن رواية ابن المبارك كانت متابعة لروايته عن يونس عن الزهري، والتي فيها ذكر أُبي بن كعب، فقال بعدها ابن المبارك: فأخبرني معمر بهذا الإسناد نحوه. فلم يسقه بتمامه؛ مما يقوى احتمال كون روايته موافقة لرواية الجماعة عن معمر، ولا يضر ذلك في الإسناد من جهة إسقاط أبيِّ منه، وذلك لأن مراسيل الصحابة صحيحة مقبولة.

لكن موضع الإشكال في هذا الطريق أن محمد بن جعفر المعروف بغندر، قال: نا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني سهل بن سعد، قال: إنما كان قول الأنصار: "الماء من الماء" رخصة في أول الإسلام، ثم أُمرنا بالغسل. [ابن خزيمة (٢٢٦)].

ففي هذه الرواية ذكر الإخبار والاتصال بين الزهري وسهل بن سعد، لكن الصواب خلاف ذلك، فقد انفرد بهذا غندر عن معمر، دون بقية من روى الحديث عن معمر من الحفاظ، مثل: عبد الله بن المبارك، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الواحد بن زياد، وعبد الرزاق، وهم أثبت في معمر من غندر، لا سيما ابن المبارك وعبد الرزاق، وغندر من أثبت الناس في شعبة؛ لكن في حديثه عن غيره فيه شيء من الغفلة.

كذلك فقد ثبت من رواية عمرو بن الحارث عن الزهري أنه لم يسمع هذا الحديث من سهل، وأن بينهما واسطة.

قال ابن خزيمة: "في القلب من هذه اللفظة التي ذكرها محمد بن جعفر -أعني قوله: أخبرني سهل بن سعد- وأهابُ أن يكون هذا وهمًا من محمد بن جعفر أو ممن دونه؛ لأن ابن وهب روى عن عمرو بن الحارث، عن الزهري، قال: أخبرني من أرضى، عن سهل بن سعد، عن أُبي بن كعب" [وانظر: إتحاف المهرة (١/ ٢٠٦)].

يضاف إلى ما تقدم أيضًا في بيان شذوذ رواية غندر؛ وهو بصري: قول الإمام أحمد: "حديث عبد الرزاق عن معمر: أحب إلى من حديث هؤلاء البصريين: كان يتعاهد كتبه، وينظر -يعني: باليمن-، وكان يحدثهم بخطأ بالبصرة".

وعلى هذا فإن حديث معمر بالبصرة فيه اضطراب كثير، وحديثه باليمن جيد [قاله ابن رجب في شرح العلل (٢/ ٧٦٧)، وانظر أيضًا: (٢/ ٧٠٦)]، فإذا انضاف إلى هذا كون ابن المبارك وعبد الرزاق من أثبت الناس في معمر، ظهر بجلاء شذوذ رواية غندر هذه.

لكن قال ابن حجر في التلخيص (١/ ٢٣٤) بعد كلام ابن خزيمة الآنف الذكر: "قلت: أحاديث أهل البصرة عن معمر يقع فيها الوهم، لكن في كتاب ابن شاهين [١٨]، من طريق: معلى بن منصور، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري: حدثني سهل، وكذا أخرجه بقي بن مخلد في مسنده: عن أبي كريب، عن ابن المبارك، وقال ابن حبان: يحتمل أن يكون الزهري سمعه من رجل عن سهل، ثم لقي سهلًا فحدثه، أو سمعه من سهل ثم ثبته فيه أبو حازم".

وقال ابن حجر أيضًا في إتحاف المهرة (١/ ٢٠٨): "وقال بقي بن مخلد: ثنا

<<  <  ج: ص:  >  >>