للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إنما كان بما أقرأهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وبما أنزله الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -:

فقد روى الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن عبدٍ القاري، أنهما سمعا عمر بن الخطاب، يقول: مررت بهشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستمعت قراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكدت أن أساوره في الصلاة، فنظرته حتى سلم، فلما سلم لبَّبته بردائه، فقلت: من أقرأك هذه السورة التي أسمعك تقرؤها؟ قال: أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قلت له: كذبت، فواللّه إن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - لهو أقرأني هذه السورة التي تقرؤها، قال: فانطلقت أقوده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام"، فقرأ عليه القراءة التي سمعتُ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هكذا أُنزلت"، ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأت القراءة التي أقرأني النبي - صلى الله عليه وسلم -،- ثم قال: "هكذا أُنزلت"، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا منه ما تيسَّر". [متفق عليه. وتقدم برقم (١٤٧٥)].

ففي هذا الحديث قال عمر لهشام بن حكيم: من أقرأك هذه السورة التي أسمعك تقرؤها؟ قال: أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. يعني: أنه لم يكن اجتهادًا من قِبل هشام نفسه، وإنما تلقاه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يؤكد ذلك: أنه لما قرأ هشام وعمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكل منهما: "هكذا أُنزلت"، فلم يكن أيضًا اجتهادًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هكذا سمعه من جبريل.

كما روى الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقرأني جبريل على حرفٍ فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدُني؛ حتى انتهى إلى سبعة أحرف". [متفق عليه. وتقدم برقم (١٤٧٦)]. يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقى الأحرف السبعة حرفًا حرفًا من جبريل عليه السلام، والله أعلم.

وعلى هذا فمن قرأ في صلاته بترجمة القرآن فإنها لا تجزئه صلاته تلك؛ لأن الترجمة ليست بقرآن؛ لأنه لم يقرأ فيها بما تيسر من القرآن المنزل من الله الحكيم الحميد، والاستطراد في الاستدلال لهذه المسألة يطول جدًا، لكثرة الأدلة من القرآن والسُّنَّة على ذلك.

قال ابن عطية (١/ ١٧٦): "فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة، وعارضه بها جبريل في عرضاته، على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الوصف، ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: "فاقرؤوا ما تيسر منه" بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه، ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن وكان معرَّضًا أن يبدِّل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليوسع بها على أمته، فقرأ مرة لأبيّ بما عارضه به جبريل صلوات الله عليهما، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>