للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن بلغه سورة واحدة وقف على أكثر ذلك، فلا يفوت أحدًا منهم ما به الحاجة إليه، مما أراد الله إعلامه لخلقه، فكان في التكرير رفق عظيم، وهداية ظاهرة للحق، وذلك بلطف الله لخلقه، وهذا كثير من نعم اللّه على خلقه، ورفقه بهم".

مسألة:

هل تقوم ترجمة القرآن للأعجمي، مقام الأحرف السبعة للعربي؟

الجواب: ادعى بعضهم أن الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش ومن جاورهم من فصحاء العرب، ثم أباح للعرب المخاطبين به المنزل عليهم أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف بعضهم الانتقال من لغة إلى غيرها لمشقة ذلك عليهم، ولأن العربي إذا فارق لغته التي طبع عليها يدخل عليه الحمية من ذلك، فتأخذه العزة، فجعلهم يقرؤونه على عاداتهم وطباعهم ولغاتهم منًا منه عز وجل لئلا يكلفهم ما يشق عليهم، فيتباعدوا عن الإذعان [المرشد الوجيز لأبي شامة (٩٥)]، وأن ذلك كان سائغًا قبل جمع الصحابة المصحف تسهيلًا على الأمة حفظه؛ لأنه نزل على قوم لم يعتادوا الدرس والتكرار وحفظ الشيء بلفظه، بل هم قوم عرب فصحاء يعبرون عما يسمعون باللفظ الفصيح [المرشد الوجيز لأبي شامة (٨٩)].

واحتج بعضهم في ذلك بناء على التفسير السابق:

بما رواه شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند أضاةِ بني غفار، قال: فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: "إن الله يأمرُك أن تَقرأَ أُمَّتُك القرآن على حرف فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم أتاه الثانية، فقال: "إن الله يأمرُك أن تَقرأ أُمَّتُك القرآن على حرفين فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الثالثة، فقال: "إن الله يأمرُك أن تَقرأَ أُمَّتُك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الرابعة، فقال: "إن اللّه يأمرك أن تَقرأَ أُمَّتُك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا". [أخرجه مسلم (٨٢١)، وتقدم برقم (١٤٧٨)].

يعني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح للعربي أن يقرأ بما اعتاده من لغته ما فهمه من كلام اللّه تعالى، دون أن يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أن يتعلمه من صحابي أقرأه إياه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -، فيكون ذلك من العربي كالترجمة للقرآن دون أن يتلقاه من في رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.

فيقال: هذا قول باطل؛ لأنه على هذا القول لم يعد لتقييد الأحرف بكونها سبعة معنى، وذلك لكون قبائل العرب ولغاتها أكثر من سبعة بكثير، ولأن هذا المقروء به ليس قرآنًا منزلًا من عند اللّه، ولا يجوز لأحد من المكلفين من الإنس والجن أن يتعبد اللّه تعالى في صلاته إلا بالقرآن المنزل من عند الله تعالى، وبما أقرأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - صحابته، ثم بعد كتابة مصحف عثمان وجب على جميع الخلق أن يلتزموا خطه، ولا يجاوزوه بحال من الأحوال، والدليل على صحة ذلك، وأن ما وقع من الاختلاف بين الصحابة في القرآن في

<<  <  ج: ص:  >  >>