للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويقال أيضًا: عادة البخاري رحمه الله تعالى في التاريخ الكبير أنه يذكر الوارد في الأسانيد من السماع وغيره، وعدم ذكر السماع هنا لا يعني حتمًا الانقطاع، لا سيما وقد أثبت البخاري السماع ليسيع من علي بن أبي طالب، وعلي أقدم موتًا من النعمان بن بشير، ففد مات علي سنة (٤٠)، وله ثلاث وستون سنة، وقتل النعمان سنة (٦٥)، وله أربع وستون سنة، وكان قد ولي إمرة حضرموت والكوفة وحمص، وكان خطيبًا مفوَّهًا، وعليه: فإن النعمان قد بقي بعد علي خمسًا وعشرين سنة، وقد جرت العادة أن الأمير هو الذي يصلي بالناس، ويخطب بهم الجمع والأعياد، وهذا مما يبعد شبهة الانقطاع عن هذا الحديث، حيث كان النعمان واليًا على الكوفة زمن معاوية بن أبي سفيان تسعة أشهر [طبقات ابن سعد (٦/ ٥٣)، الجرح والتعديل (٨/ ٤٤٤)]، وكان وقتها يسيع كبيرًا يحضر الجمعة والجماعة، كما ولَّى معاويةُ النعمانَ قبل ذلك حضرموت [أنساب الأشراف (٥/ ١٦١)]، ويسيع حضرمي أيضًا، فإن لم يكن سمع منه بحضرموت، سمعه بالكوفة على المنبر، والله أعلم.

كذلك فإن يسيع بن معدان يعد من المقلين، لا سيما ولا يعرف له راو سوى ذر المرهبي، ومع ذلك فقد وثقه النسائي، وقال عنه ابن المديني: "معروف"؛ فلم يجهله، وفي هذا قبول ضمني لحديثه، وقد أخرج حديثه هذا النسائي، واحتج به أبو داود، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.

وكما قلت: فإن عدم ذكر السماع في الإسناد لا يعني قطعًا الانقطاع، فقد سبق أن ذكرت قريبًا حديثًا جزم شعبة فيه بعدم سماع التابعي من الصحابي، ومع ذلك فقد أخرجه البخاري في صحيحه (٥٠٢٧)، وهو حديث أبي عبد الرحمن السلمي، عن عثمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، قال شعبة: "ولم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان"، وقال أبو حاتم: "أبو عبد الرحمن السلمي: ليس تثبت روايته عن علي، فقيل له: سمع من عثمان بن عفان؟ قال: قد روى عنه، ولم يذكر سماعًا"، وقد قلت في الموضع المشار إليه: لم يثبت في رواية هذا الحديث سماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان، إذ لم يقل: سمعت عثمان، وهو كما قال أبو حاتم: "لم يذكر سماعًا"، لكن القرينة الواردة في هذا الحديث تدل على سماعه منه، وذلك أنه كان كبيرًا في زمن عثمان، حتى إنه جلس لإقراء القرآن في زمن عثمان، بل قد اشتهر واستفاض أنه قرأ القرآن على عثمان، بل جزم الإمام البخاري في التاريخ الكبير (٥/ ٧٣) بإثبات السماع مطلقًا، ولم يعتد بقول شعبة هذا، لاشتهار صحبة أبي عبد الرحمن السلمي لعثمان بن عفان وأخذه القرآن عنه، فلم يحتج لذكر السماع في الأسانيد، وإنما اكتفى بشهرة الصحبة، وأنه أخذ عنه القرآن، وهذا يدل على سماعه منه؛ وإن لم يقل في الإسناد: سمعت عثمان؛ لذا قال البخاري في التاريخ: "سمع عليًا وعثمان وابن مسعود - رضي الله عنهم -" [راجع كلامي مفصلًا على حديث عثمان فيما تقدم برقم (١٤٥٢)].

وانظر أيضًا مثالًا آخر، فيما رواه شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال

<<  <  ج: ص:  >  >>