ورجح ابن القطان الأول، وهو رواية الجماعة وفيهم أصحبهم لحماد بن سلمة.
قلت: لكن توهيم الثقات المتقنين مثل ابن مهدي ومن معه، وكذا حبان بن هلال: لا يليق بهم، لا سيما وحماد بن سلمة كان قد تغير حفظه بآخره، فلعل هذا الاختلاف كان منه لما كبر وتغير.
وأيًّا كان؛ فمن عبد الرحمن بن أبي رافع هذا: لم يرو عنه سوى حماد بن سلمة، وله في الكتب السنة ثلاثة أحاديث فقط هذا أحدها.
والثاني: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتختم في يمينه [جامع الترمذي (١٧٤٤)، الشمائل للترمذي (٩٧)، سنن النسائي (٨/ ١٧٤/ ٥٢٠٤)، مسند أحمد (١/ ٢٠٤ و ٢٠٥)، الطبقات الكبرى (١/ ٤٧٧)، مصنف ابن أبي شيبة (٨/ ٤٧٣ و ٤٧٤)، الآحاد والمثاني (٤٣٥)]، وقد توبع عليه، وقال فيه البخاري:"هذا أصح شيء روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب".
والحديث الثالث: في دعاء الكرب [السنن الكبرى للنسائي (٩/ ١٠٤٠٧/٢٤٠)، مسند أحمد (١/ ٢٠٦)]، وقد توبع على أصله، وخولف في بعضه.
قلت: فلعل ابن معين إنما قال فيه: "صالح" [الجرح والتعديل (٥/ ٢٣٢)، بيان الوهم (٤/ ١٣٠)، التهذيب (٢/ ٥٠٣)] لأجل حديثيه الأخيرين اللذين توبع عليهما.
وأما هذا الحديث فإنه لم يتابع عليه، وإنما تفرد به، بل خالف فيه ما رواه أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد، وهو حديث صحيح ثابت، أخرجه مسلم في صحيحه، وصححه البخاري، كما روى عنه الترمذي في العلل.
• وأما ما رواه ابن سعد في الطبقات (٨/ ١٧٢ و ١٩٢)، قال: أخبرنا محمد بن عمر: حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدته سلمى مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلةً على نسائه التسع اللاتي توفي وهن عنده، كلما خرج من عند امرأة قال لسلمى:"صُبِّي لي غسلًا"، فيغتسل قبل أن يأتي الأخرى، قلت: يا رسول الله أما يكفيك غسل واحد؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أطهر وأطيب".
فإنه من رواية شيخه الواقدي؛ وهو: متروك، لا يعتبر به، ومعاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع: لم أر من ترجم له؛ إلا أن يكون هو معاوية بن عبد الله بن أبي رافع الذي ترجم له ابن حبان في ثقاته (٧/ ٤٦٩)؛ فالله أعلم، فهي رواية لا يعتبر بها، بل هو حديث منكر باطل، لا يستقيم معناه مع الأحاديث الصحيحة في غسله - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه من إناء واحد، أو بعدهن، ثم أين كان يغتسل - صلى الله عليه وسلم -؟ إذا كان كلما خرج من عند امرأة من نسائه قال لسلمى:"صبي لي غسلًا"، فيغتسل قبل أن يأتي الأخرى، فأين كان يغتسل إن لم يكن يغتسل في بيت إحداهن؟!.
وسلمى هذه: روى عنها جماعة، وذكرها ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان:"لا تعرف" [التهذيب (٤/ ٦٧٧)، بيان الوهم (٤/ ١٣٠)]، ولا يعرف لها سماع من أبي رافع.