تَسْتَحِقُّ أنْ تُحَدَّ حَدَّ القَذفِ، فلعلَّ المرادَ فلَمَّا قَاربَ أنْ يَأمرَ به، وذلك قال الرَّاوي من حيثِ الظَّاهر أنَّهم أحْضَرُوْه في المَحْكم عندَ الإمام، فالإمامُ اشْتَغلَ بالتَّفْتِيْشِ عن حالِه. والله تعالى أعلم.
وأجاب القاضي:(١) بأنَّه حَكَم به لإظْهارِ الحَقِّ لا لِيَرْجُم، قال وفي هذا حكمةٌ عظيمةٌ، وذلك أن النبيُّ صلَّى اللهُ تعالى عبيه وسلَّم إنَّمَا أمَر به ليُرْجَم به قبلَ أن يُقِرَّ بالزِّنا، أوْ أنْ يَثْبُتَ عليه؛ ليكونَ ذلك سبببًا في إظْهَار الفَاعِل لنَفْسِه حَتَّى خَشِي أنْ يُرْجَم مَنْ لم يَفْعَلْ، وفدْا من غَريْبِ اسْتِخراج الحُقُوْقِ ولا يجوزُ ذلك لغَيْره صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم؛ لأنَّ غيرَه لا يَعْلَم من البَواطِن ما عَلِمَ هو صلَّى الله تعالى عليه وسلم. والله تعالى أعلم.
قلتُ: وفيه بحثٌ إذِ الْحُدوْدُ مِمَّا يُمْحَل في دَفْعِها لا في إثْبَاتِها، بل إذا أقَرَّ يَنْبَغي أنْ يُلَقَّنَ الرُّجُوعَ، فكيفَ يُحْمَل على الإقْرارِ بِهذا الوَجْه؟
ويمكنُ الجَوابُ بأنَّه لابُدَّ ههنا من إحْدَى الْحَدَّيْن، إمَّا أنْ تُحَدَّ المرأةُ بالقَذْفِ إنْ لَمْ يَثْبُتِ الزِّنَا، أو يُحَدَّ الرَّجُلُ إنْ ثَبَتَ، ففِي مثلِ هذَا يُمْكِنُ التَّمَحُّلُ لاسْتِخْرَاج الحَقِّ، لكنَّه قَدْ يُقَال: المَرأة يَنْبغِي أن تُحَدَّ؛ لأنَّها قَذَفَتْ ذلك الرَّجُلَ، وذلك الحَدُّ لا يزُوْلُ بظُهُورِ الحَقِّ إلا أنْ يُقَالَ: إذَا ظَهَر أن المرأةَ في أصْل القَذْفِ صَادِقَةٌ، وبالنَّظْر إلى خُصُوْصِ الرُّجُل قد ظَهَر أنَّه اشْتبَه عَلَيْها الأمْرُ وهِيَ مَعْذورةٌ، ففي مِثْلِ هذه الصُّوْرَة يَنْدَفِعُ عنها الحَدُّ إذا ثَبَتَ أصْلُ الزِّنَا، فلذلك يُمْحَل في اسْتِخْراجِ أصْلِ الزِّنَا. والله تعالى أعلم.