مقتضى المَقام، وإن كانَ أصلُ اللغةِ لا يقتضي أن يكونَ في هذه أحَبُّ، بل يَكْفِي فيه أنْ لا يكونَ في غيره أحَبّ، فيمكنُ أن يكونَ فيها وفي غيرها مُسَاوِيًا إذا كان غيرُها من الأيَّام الشَّريفَةِ كرمضان مثلا، و على هذا المعنى لا يظهر اسْتِبْعَادُهم المذكورُ بقولهم:"وَلا الجِهَادُ" في هذه الأيَّام أحَبُّ منه في غير هذه الأيَّام، ولا أنْ يقالَ: ليسَ الجهادُ في غير هذه الأيَّام أحَبُّ منه في هذه الأيَّام مع احتمالِ المُسَاوَاة إلا أنْ يُتكَلَّفَ بأنْ يقالَ: الجهادُ في هذه الأيَّام يُخِلُّ بالحَجِّ، فينبغي أنْ يكونَ في غير هذه أحبُّ منه في هذه الأيَّام، فلذا اسْتَبْعَدُوْا كونَ الجِهَاد في هذه الأيَّام أحَبُّ منه في غير هذه الأيَّام، وليسَ في غير هذه الأيَّام أحَبُّ منه في هذه الأيَّام مع احتمالِ المُسَاوَاة وحينئذ قوله:"إِلَّا رَجُلٌ" أي: جهادُ رجُل، بيانٌ لفَخَامة اجْتِهَاده، وتعظيمٌ له بأنَّه قد بلغ مبلغًا لا يكادُ يَتَفَاوَتُ بشرفِ الأيَّام والأزْمَان وعدم شرفها.
وحاصلُ الوجهِ الثَّاني: أن أيَّ عملٍ كانَ في هذه الأيَّام فهو أحَبُّ إلى اللّهِ من أيِّ عمل كانَ في غير هذه الأيَّام، ولو كانَ العملُ في هذه الأيَّام التَّصَدُّقُ بفَلْسٍ وفي غيرِها ولو كان عملًا عظيمًا أحبّ عملا من هذا وإن كانَ حقيرًا مع احتمال المُسَاوَاة، ولا يَخْفَى أن هذَا أمرٌ مستبعدٌ جِدًّا، وإن كانَ تَوْجِيْهُ السُّؤال والاستبعادِ بقولهم:"وَلا الجِهَادُ" يكون واضحًا، وكذا توجيهُ الجواب بقوله:"إلَّا رَجُلٌ" فافْهَمْ.
• قوله:"أَحبَّ": - بالفتح - على أنَّه صفةُ أيَّام وهو غيرُ منصرفٍ فيُفْتَح حالةَ الجزاء، وبالرَّفْع على أنَّه خبرٌ وهو الأوْجُهُ، وعلى الأوَّل يحتاج إلى حذفِ الخَبرِ.