«فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعرفه؛ أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ، ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد، لا بغضاً له؛ بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم، لكن رسول الله أحب إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره؛ فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره، وإن كان مغفوراً له، بل ذلك المخالف المغفور له لا يكره أن يخالف أمره؛ إذا ظهر أمر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بخلافه».
قلت: كيف يكرهون ذلك؛ وقد أمروا به أتباعهم- كما مر-، وأوجبوا عليهم أن يتركوا أقوالهم المخالفة للسنة؟ ! بل إن الشافعي رحمه الله أمر أصحابه أن ينسبوا السنة الصحيحة إليه، ولو لم يأخذ بها، أو أخذ بخلافها؛ ولذلك لما جمع المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله المسائل التي خالف مذهب كل واحد من الأئمة الأربعة الحديث الصحيح فيها-انفراداً، واجتماعاً- في مجلد ضخم؛ قال في أوله:
«إن نسبة هذه المسائل إلى الأئمة المجتهدين حرام، وإنه يجب على الفقهاء المقلدين لهم معرفتها؛ لئلا يعزوها إليهم؛ فيكذبوا عليهم».
ترك الأتباع بعض أقوال أئمتهم اتباعاً للسنة:
ولذلك كله كان أتباع الأئمة {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة: ١٣ -