للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان من وصية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ ابن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أن النبي عليه السلام لما أرسلهما دعاة إلى اليمن قال لهما «اذهبا وتطاوعا، ويسرا ولا تُعَسِّرا»، فهذا كله وذاك مما يجعلنا ننتبه لنكون في دعوتنا متسامحين متياسرين مع الناس.

وكما أقول في هذه المناسبة وكثيراً ما أقول إن دعوتنا والحمد لله هي دعوة الحق، والناس عن الحق غافلون، وكلمة الحق بطبيعة الحال على الناس ثقيلة، فيكفي إثقالاً على الناس أن ندعوهم إلى هذا الحق الثقيل عليهم، فحسبهم ثقل كلمة الحق، وذلك ما ينبغي أن يردعنا وأن يصدنا عن أن نزيد في الإثقال عليهم في استعمالنا أسلوب الشديد في دعوتنا إياهم إلى الحق لأنه إذا انضم إلى شدة الحق، وثقله على الناس شدة الأسلوب، إذا انضم إلى دعوة الناس شدة الحق وثقله عليهم وهو حق، فلا ينبغي أن نضم إلى هذا الثقل ثقلا آخر ليس بحق، وحينئذ إذا يكون هذا الثقل الثاني صادًّا للناس عن تقبل الحق الثقيل بطبيعته كما قال تعالى {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: ٥].

ولهذا كان من كلامه عليه السلام بالنسبة لمعاذ في قصة إطالته للقراءة في صلاة العشاء تلك الإطالة التي حملت أحد الأنصار على أن يقطع الصلاة خلفه، وأن يصلي وحده، وينطلق إلى داره، ويترك الجماعة، فكان معاذ لما بلغه الخبر يشتد في الحمل على هذا الأنصاري، حتى كان يقول فيه: إنه منافق، واستعمل معاذ رضي الله عنه استعمل هذه الكلمة انطلاقاً منه مع المبدأ العام ,المبدأ العام الذي يتحدث عنه ابن مسعود في حديثه الطويل في «صحيح مسلم»: «أنه ما كان يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق»، وكذلك هناك حديث آخر: «أن الذي يكون في المسجد ثم يسمع الأذان ثم يخرج فهو منافق»، استعمل معاذ هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>