واستمر كما تعلمون على ذلك ثلاثة عشرة سنة وهو في مكة ثم هاجر، والقصة معروفة لدى المسلمين جميعاً، في هذه السنوات العشر زائد ثلاث سنين لم تكن وظيفة الرسول عليه السلام سوى الدعوة، أي: تعليم من استجاب لدعوته ما يلزمهم من أن يتعرفوا على أحكام دينهم التي كانت تنزل تترى واحدة بعد أخرى، وكان ولا شك عليه الصلاة والسلام يعنى بتعليم أصحابه وتربيتهم على هذا الإسلام المصفى، ولذلك لما ابتلوا وعذبوا صبروا صبراً عظيماً جداً، حتى أذن لهم من ربهم تبارك وتعالى بالهجرة الأولى إلى الحبشة مرتين كما هو معلوم، ثم بالهجرة الأخيرة إلى المدينة المنورة، ثم بدأ الرسول عليه السلام هناك يضع النواة لإقامة الدولة المسلمة.
الآن أنتم إذا نظرتم إلى العالم الإسلامي كلاً أو نظرتم إليه جزءاً في بعض البلاد فسوف لا تجدون شعباً يصدق عليه بأنه تعلم تعلماً إسلامياً صحيحاً، زائد تربى على هذا الإسلام الصحيح، هذا لا وجود له، ولذلك فنحن نعتقد جازمين أن أي تحرك حزبي أو تكتل سياسي لا يقوم على هذا الأساس أي: لا يعيد إلى أذهان المتحركين ما فعله إذا صح هذا التعبير لأني لأول مرة أقوله سيد المتحركين، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام إلى هؤلاء الذين يتحركون بأحزاب كثيرة ومتعددة المناهج، إذا لم يسلكوا مسلك الرسول عليه السلام الذي ينحصر في أساسين اثنين أو ركيزتين عظيمتين التصفية والتربية فلا فائدة من هذه التكتلات ومن هذه الحزبيات إطلاقاً، مذكراً بأن هناك فرقاً كبيراً جداً بين المسلمين اليوم من حيث ما يجب عليهم تحقيقه من التصفية، وبين المسلمين الأولين، المسلمون الأولون لم يكونوا بحاجة إلى التصفية لأن الوحي كان ينزل عليهم صفواً، غير مشوب بأي شيء دخيل على الإسلام،