لقد اهتم النبي صلى الله عليه وآله سلم بتجميع الناس وحذرهم من أن يتفرقوا في أجسامهم وأجسادهم حتى ولو كانوا في العراء أو الصحراء، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه قال:«كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله سلم تفرقنا في الشعاب والوديان، فقال لنا يوماً: إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» ليسوا في جلسة علمية، وإنما في سفرة في البرية، كانوا يتفرقون كل ينتحي ناحية من أشجار ظليلة أوواد رطب أونحوذلك، فأنكر عليه الصلاة والسلام ذلك التفرق، وقال:«إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان».
قال أبو ثعلبة رضي الله تعالى عنه: فكنا بعد ذلك إذا نزلنا وادياً اجتمعنا، حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا.
استجابوا لله وللرسول حينما دعاهم، فكانوا لا يتفرقون في منازلهم وهم قوم سفر، مسافرون، كانوا يجتمعون، ما السر في اهتمام النبي صلى الله عليه وآله سلم في تجميع الناس، وأن لا يسمح لهم أن يتفرقوا في أبدانهم حتى في الصحراء، ما هو السر؟
سبق مني آنفاً الإشارة إلى ذلك ولكن الإشارة في كثير من الأحيان لا تغني عن صريح العبارة، بل صريح العبارة تحتاج أحياناً إلى البيان والشرح والتوضيح، فلا بد لي من شيء من هذا.
قلت آنفاً: لأن الظاهر عنوان الباطن، أي: أن المسلمين إذا تفرقوا في ظواهرهم، كان ذلك سبباً ومدعاة لأن يتفرقوا في قلوبهم، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وآله سلم يصرح به حينما كان يقوم إلى الصلاة، ولا يدخل فيها إلا