للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نلاحظ هنا ملاحظة هامة جداً جداً جداً، وهي أن الله عز وجل كان بإمكانه وهو الحكيم العليم القدير أن يقول مثلاً: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً، أي: دون أن يعطف على مشاققة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} كان الله على ذلك قديراً، فلماذا إذاً؟ ما الحكمة من عطفه عز وجل قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} على: {يُشَاقِقِ الرَّسُولَ}؟

أظن عرفتم السر من الأحاديث التي أوردناها لكم.

{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} السر أن هؤلاء المؤمنين الأولين هم الذين نقلوا إلينا ما سمعوه من الرسول عليه السلام من فمه غضاً طرياً ووجدوه مطبقاً في عهده - صلى الله عليه وآله وسلم - تطبيقاً عملياً، فهم يستطيعون أن يفهموا ما أنزل الله على نبيه من كتابه وما نطق به هونبيه عليه السلام بلفظه، هم يستطيعون أن يفهموا ذلك أحسن من كل من يأتي من بعدهم، كيف لا والأمر كما قال عليه الصلاة والسلام: «الشاهد يرى ما لا يرى الغائب» (١).

خذوا مثلاً، قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨]، اليد في اللغة تطلق ويراد الكف، وتطلق ويراد مع الكف الذراع، وتطلق ويراد بها الذراع مع العضد.

ترى! كيف بنا أن نفهم اليد في هذه الآية: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}؟

كما أن هناك في آية التيمم: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: ٤٣].


(١) «صحيح الجامع»: (٢٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>