قال لهم: قيسوا ما بين المكان الذي مات فيه، وما بينه وبين كل من القريتين التي خرج منها، والتي قصد إليها، فوجدوه أقرب إلى هذه من تلك بمقدار ميل الإنسان في مشيته، فتولته ملائكة الرحمة.
الشاهد: هذا الحديث، مما يحسن أن يفسر به مثل قوله تبارك وتعالى:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ}[يوسف: ١١١].
هذه عبرة نأخذ منها درساً وعظة وهي: أن الرجل إذا كان يعيش في بلد أهلها فاسقون ظالمون، أو على الأقل من ذلك كان يعيش في قرية أو في محلة صغيرة يغلب على أهلها الشر والفساد فعليه أن ينجو بنفسه، وأن يغير البيئة التي يعيش فيها؛ لأن الحديث السابق وأحاديث أخرى مثله كلها تدل مجتمعة على أن البيئة لها تأثير في النفوس إن كانت صالحة فصلاحاً، وإن كانت فاسدة ففساداً، لذلك حكى لنا الرسول عليه السلام هذه النصيحة التي وجهها ذلك العالم حقاً إلى ذلك المجرم قال: إنك بأرض سوء فاخرج منها.
فنحن نأخذ من هذه القصة عبرة أن المسلم يجب ألا يعيش في مجتمع سوء، في مجتمع فاسد بل عليه أن يختار المجتمع الصالح قد أكد الرسول عليه السلام هذا المعنى، المأخوذ من ذاك الحديث في أحاديث أخرى كثيرة منها: قوله عليه الصلاة والسلام: «مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك إما أن يحذيك» يعطيك مجاناً، «وإما أن تشتري منه، وإما أن تشم منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كمثل الحداد إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تشم منه رائحة كريهة».
فأنت أيها المسلم إذا خالطت الصالحين فلابد أنك ستكسب من صلاحهم إن قليلاً أو كثيراً، والعكس بالعكس إن صاحبت الطالحين الفاسقين فلابد من أن تكسب شيئاً من طلاحهم وفسادهم، إن قليلاً أو كثيراً كما قلنا آنفاً.