«بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لاشريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» وماكدت أنتهي من هذه الموعظة مع ذاك الرجل الفاضل حتى بادر وحل العقدة من رقبته ورمى بها أرضًا، فشكرت له ذلك ولكن بقدر ماسرني استجابته الفعلية لموعظتي ساءني بعد ذلك تعليله لوضعه لهذه العقدة -وهنا الشاهد- قال: أنا إنما فعلت ذلك لأن أهل هذه البلاد يعني الإنجليز ينظرون إلى إخواننا الفلسطينيين نظرة بغض وحقد، ومن شعار الفلسطينيين أنهم لا يضعون العقدة بل يفكون الزر الأعلى وربما الأدنى قليلاً بحيث يظهر شيء من العنق، هكذا حدثني هناك وينظر فلما كان الإنجليز ينظرون إلى هذا الجنس من المسلمين نظرة احتقار قال صاحبي: فنحن حتى لا ينظر إلينا هؤلاء تلك النظرة نفسها وضعنا العقدة هذه، قلت له آسفًا: ليتك لم تتكلم، لأن هذا عذرٌ -كما يقال- أقبح من الذنب، أنت تهتم بنظرة الكفار إلى إخوانك المسلمين نظرة احتقار، فتتجاوب أنت مع هذه النظرة، وتريد أن لا ينظر إليك أولئك تلك النظرة نفسها، ويجمع بينك وبين الفلسطينيين الإيمان والتوحيد، ويفرق بينك وبين الإنجليز الذين تسكن أنت بين ظهرانيهم الكفر والشرك والضلال.
هذه قصة من قصص كثيرة تدل على أن البيئة لها تأثيرها وهذا ظاهر جدًا جدًا، حتى أن بعض أهل هذه البلاد نجدهم -كما نراكم والحمدلله- جميعًا بأزياء عربية إسلامية، فإذا ماسافر بعضهم إلى تلك البلاد الغربية تغيرت شخصيته تغيرًا جذريًا، رفع العمامة هذه ورفع القلنسوة ولبس الجاكيت والبنطلون وعقد العقدة وصار إنسانًا كأنه غير مسلم، هذا يدل على أقل الأحوال أنه لا يعتز بدينه، ولا يعتز بالتالي بقومه بعاداتهم، فلا يجوز للمسلم إذن أن يتشبه بالكفار، ونحن نعلم أن الذي يعيش في بلاد الكفار ولو كان من قبل كافرًا أنه لا يستطيع أن يتخلص