ليس المقصود هنا: سنتي فقط النوافل أو الرواتب، وإنما الطريق التي جاء بها عليه الصلاة والسلام يجب أن تُتَبَنَّى كُلاً وليس بعضاً وجزأً أولاً: فكراً وعقيدة. وثانياً: تطبيقاً وعملاً بقدر ما يستطيع الإنسان ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، هذه السنة معناها: الطريقة والمنهج وليس معناها: السنة التي دون الفريضة، فما جاء به عليه الصلاة والسلام من الشرع والبيان هو السنة أي: الطريقة التي سار عليه الرسول عليه السلام.
والسنة بهذا المعنى الشرعي اللغوي المحدد: هو المقصود بالحديث الصحيح المشهور: «من رغب عن سنتي فليس مني».
لا يجوز لأحد أن يفهم من هذا الحديث: من ترك السنن الرواتب مثلاً، وتمسك بمذهب ذلك الأعرابي الذي قال:«والله يا رسول الله، لا أزيد عليهن ولا أنقص» ليس معنى السنة بهذا المعنى الاصطلاحي الفقهي، وإنما معنى السنة أيضاً في هذا الحديث:«من رغب عن سنتي فليس مني» نفس معنى الحديث الأول: «كتاب الله وسنتي» أي: طريقتي ومنهجي التي كنت عليها ومت عليها، هذه الطريقة وهذه السنة إذا أعرض الإنسان المسلم عنها، فليس في شيء من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإذا نحن ذكرنا لكم سبب رواية، أو سبب قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لهذا الحديث الثاني:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» يتضح لكم تمام الوضوح هذا المعنى الشرعي اللغوي للفظة: «سنتي»؛ ذلك أن رهطاً أي: جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يجدوه، فسألوا نساءه عن صلاته عليه الصلاة والسلام في الليل، وصومه في النهار وقربانه للنساء، فأجبنهم: بأنه عليه الصلاة والسلام يقوم الليل، وينام أي: إنه لا يقوم الليل كله كما يفعل بعض الغلاة المتعبدين، ولا أنه أيضاً ينام كل الليل كما يفعل بعض الراغبين الزاهدين