«كان فيمن قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفسًا، ثم أراد أن يتوب، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهبٍ، فجاء إليه وقال: أنا قتلت تسعةً وتسعين نفسًا، فهل لي من توبة؟ قال: لا، قتلت تسعةً وتسعين نفسًا ولك توبة؟ لا توبة لك، فقتله وأتم به المائة».
ولكنه فيما يبدو من تمام القصة كان مخلصًا في قصده للتوبة، ولذلك فقد استمر يسأل عن أعلم أهل الأرض، حتى دُلَّ على عالم، هو من قبل سأل نفس السؤال لكن الدال كان جاهلًا، فبدل أن يدله على عالم دَلَّه على راهب، والراهب كناية عن عبادته مع جهله، وظهر جهله هذا في جوابه، حيث قال له: لا توبة لك، فقتله.
أما في المرة الثانية فقد كان حظه طيبًا، حيث دل على عالم فأتاه وقال له: أنا قتلت مائة نفس، وأريد أن أتوب إلى الله عز وجل، فهل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكنك بأرض سوءٍ، هنا الشاهد «ولكنك بأرض سوءٍ» فاخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها.
فانطلق يمشي إليها؛ لأنه كان مخلصًا في السؤال، وكان مستسلمًا لجواب العالم، فلما أفهمه العالم بأنك ما شقيت هذه الشقوة حتى قتلت مائة نفسٍ بغير حقٍّ إلا لأنك تعيش في جوٍ موبوءٍ فاسد، فاخرج من هذه البلدة إلى البلدة الصالح أهلها وعينها له.
فانطلق يمشي، وفي الطريق جاءه الموت، فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كلٌّ يدعي بأنه من حقه أن يتولى نزع روحه، فأرسل الله إليهم حكمًا، أن قيسوا ما بينه بين مكان الموت .. بينه وبين كلٍّ من القريتين، القرية التي خرج منها والتي خرج قاصدًا إليها، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى القرية الصالح أهلها بمقدار ميل الإنسان في مشيته، فتولته ملائكة الرحمة.
الشاهد من هذا الحديث: أن ذلك العالم حقًا قد عرف سبب شقاوة هذا الإنسان، وإقدامه على قتل مائة نفس؛ وهو لأنه كان يعيش في جوٍ فاسد، فهذا