غير محدث وإن كنت أستطيع أن أتصور محدثاً غير فقيه، أما فقيه غير محدث فهذا يكاد يكون معدوماً، فأهل الحديث هم أدرى بهذه القاعدة ولكن يجب أن تُوْضَع في موضعها؛ وذلك مما لا يستطيعه إلا أهل العلم.
من أبواب الإمام البخاري في صحيحه باب معناه إن لم يكن لفظه قوله: باب: ما كل حديث تحدث به العامة، ثم روى تحت هذا الباب حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي فيه أنه كان رديف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال:«يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله! ثلاث مرات، ثم قال عليه السلام: أتدري ما حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟ حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن من مات منهم يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرم الله بدنه على النار» قال راوي الحديث عن معاذ: فما حدث معاذ بهذا الحديث إلا عند الوفاة تأثماً، فهذا المراد مصلحة الدعوة لكن أين مثل معاذ في العلم والفهم والصلاح والتقوى؟ ! وجرى على هذا السمع غير معاذ أيضاً فهناك في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لما حضرته الوفاة قال:«لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم ثم تلا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى}[البقرة: ١٥٩] إلى آخر الآية سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة».
كذلك روى مسلم نحو هذا الحديث وهذا المعنى الموقوف عن عبادة بن الصامت، فمن هنا ينبغي على الداعية حقاً أن يراعي موقف الناس وأن يلاحظ أنه ليس كل حكم وكل حديث يروى فقد يقعون في مشكلة لم يدندن الحديث حولها وإنما أراد إثبات عقيدة صحيحة فإذا أساء فهمها فحينئذٍ إما أن يحدث الناس بهذا الحديث مع ... التفصيل وإما أن يصرف النظر عن التحديث به.