التهلكة هي عكس ما نحن نستأنس بها ونقتبس منها الآن، لكن الحقيقة أن العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب، الآية نزلت بعد أن نصر الله عز وجل عباده المؤمنين من الأنصار والمهاجرين وكان الأنصار كما تعلمون أصحاب أرض وزرع وضرع، ولذلك ركنوا إلى هذا ولم ينشطوا للجهاد في سبيل الله يومئذ وبعد أن نصر الله عز وجل هؤلاء المسلمين صار الجهاد فرضاً كفائياً، أي لنقل الدعوة من مكان إسلامي إلى مكان آخر ليس إسلامياً، وهنا تختلف استعدادات الناس في القيام بالفروض الكفائية، ومنهم من يقنع على مذهب ذلك البدوي أو الأعرابي أو النجدي الذي سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عما فرض الله عليه في كل يوم وليلة فقال خمس صلوات في كل يوم وليلة، قال هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع، فقال الرجل بكل إخلاص، والله يا رسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص، فكان جواب الرسول عليه السلام: أفلح الرجل إن صدق، وفي رواية أخرى دخل الجنة إن صدق، وبهذه المناسبة يحسن بي أن أذكركم بأن زيادة وأبيه، فهي زيادة شاذة وإن كانت وردت في صحيح مسلم وفي غيره من الصحاح، فإنها لا تصح ليس نفي الصحة ناتجاً من النقد الداخلي كما يقول بعض المعاصرين اليوم، وفي التعبير الحديثي نقد المتن، وإنما هو من نقد السلف، فهذه الزيادة وأبيه شاذة غير صحيحة، الصحيح أفلح الرجل إن صدق، دخل الجنة إن صدق، الشاهد من هذا الحديث قنع هذا الرجل بالقيام بما فرض الله عليه فرضاً عينياً، فإذاً هو لا يجاهد جهاد كفائي، لا يأتي
بالسنن والرواتب والنوافل والتطوع، رجل قانع بهذا، وأكثر الناس هكذا، فلما علم الله عز وجل من هؤلاء الأنصار الذين كانوا السبب للتمكين للدين في أرضهم، الركون إلى زرعهم وضرعهم وحرثهم، أنزل الله عز وجل هذه الآية ليذكرهم بأن ترك الجهاد في سبيل الله عامة هذا إلقاء بالنفس إلى التهلكة، لكن هذا كما قلت آنفاً قد يكون الإلقاء بطريقة معاكسة تماماً كما