«فلا يصدنكم» جواب في منتهى الحكمة واللطف وعدم التحذير والتضييق على الناس؛ لأنه لا يقول: لا تتطيروا، في فرق كبير جداً بين ما قاله عليه السلام:«لا يصدنكم» وبين ما لو كان القول: لا تتطيروا، لو قال لا تتطيروا تكليف بما لا يطاق، والله يقول:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، لكن كلفهم بما يطيقون.
أصل كلمة التطير مشتقة من الطير، وكانوا في الجاهلية من خرافاتهم وسخافاتهم، كان أحدهم إذا عزم على سفر، وخرج من داره لا بد ما يصادفه طير، هذا الطير الحيوان إذا طار يميناً، فالسفر ميمون في زعم هذا الإنسان، يا ترى أيهما ... هذا الإنسان ولا ذاك ...
إذا طار هذا الطير وهو الطير نفسه لو سئل: لماذا طرت يميناً ما يدري، إذا طار يميناً فسفره ميمون، وإذا طار شمالاً فسفره مشؤوم. هذه عادة الجاهلية.
طار شمال يعود إلى بيته كل التخطيط الذي وضعه في هذا السفر يبطل بمجرد طيران الطير شمالاً ويساراً، فالرسول عليه السلام أبطل هذه الطيرة، لكن ما أبطلها كشيء يصدر من الإنسان فجأة دون تفكير، دون تخطيط، لكن أبطل التجاوب مع الطيرة، فقال: لا يصدنكم.