ب - أنه محمول على من شغله الحرث والزرع عن القيام بالواجبات كالحرب ونحوه، وإلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله:
«باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحد الذي أمر به».
فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب ويحمله على التكالب على الدنيا والإخلاد إلى الأرض والإعراض عن الجهاد، كما هو مشاهد من الكثيرين من الأغنياء.
ويؤيد هذا الوجه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».
فتأمل كيف بَيَّن هذا الحديث ما أُجمل في حديث أبي أمامة المتقدم قبله، فذكر أن تسليط الذل ليس هو لمجرد الزرع والحرث بل لما اقترن به من الإخلاد إليه والانشغال به عن الجهاد في سبيل الله، فهذا هو المراد بالحديث، وأما الزرع الذي لم يقترن به شيء من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغبة في الحرث فلا تعارض بينها ولا إشكال.
تنبيه: من البواعث على كتابة هذا المقال: أن مستشرقا ألمانيا زعم لأحد الطلاب المسلمين السوريين هناك أن الإسلام يحذر أهله من تعاطي أسباب استثمار الأرض واحتج بهذا الحديث، وقال: إنه في البخاري، متعاميا عن المعنى الذي ذكره البخاري نفسه في ترجمته للحديث السابق.