نوح عليه الصلاة والسلام قرابة ألف سنة، وهو يدعو إلى التوحيد، وأنتم تعلمون أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام المعاملات والعبادات ما هو معروف في ديننا هذا؛ لأنه خاتمة الشرائع والأديان، ومع ذلك فقد لبث في قومه، قد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فيما إذاً كان اهتمامه؛ أن يفهموا عنه التوحيد، ومع ذلك فكما تعلمون من القرآن الكريم، أعرضوا عن دعوته، وقالوا:{لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ}[نوح: ٢٣] إلى آخر الآية، فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي للدعاة حقاً إلى الإسلام هو أن يهتموا بالدعوة إلى التوحيد، ذلك لأنه معنى قوله تبارك وتعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد: ١٩]، هكذا كانت سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فعلاً وتعليماً، أما فعله فما يحتاج إلى بحث؛ لأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في العهد المكي إنما كان جهده ودعوته محصورة في الغالب أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، أما تعليماً فتعلمون حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه الوارد في صحيح البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له:«ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله»، إلى آخر الحديث، «فإن استجابوا لك» أو «فإن أطاعوك فمرهم بالصلاة» تمام
الحديث هو معروف إن شاء الله، فإذاً قد أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أصحابه أن يبدأوا بما بدأ به، وهو أن يدعوهم إلى شهادة التوحيد، لا شك أن هناك فرقاً كبيراً جداً بين أولئك العرب المشركين من حيث أنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم، وبين العرب المسلمين اليوم والذين ليسوا بحاجة إلى أن يدعوا إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، فإنهم قائلون بها مهما اختلفت مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم، فكلهم يقول: لا إله إلا الله، ولذلك فالدعاة اليوم ليسوا بحاجة إلى أن يدعوا المسلمين إلى أن ينطقوا بهذه الكلمة لكن هم في الواقع بحاجة أكثر من العرب في الجاهلية إلى أن يفهموا معنى هذه الكلمة الطيبة، هذا الفرق فرق