كان هو أولى من كل الناس الذين يتصور أنهم يعظمون ويكرمون بالقيام، كان عليه السلام بمثل هذا القيام أولى، مع ذلك ما كانوا يقومون له لماذا؟
هل لأن العادة كما يشعر هو لم تكن يومئذ أن يقوم الناس لعظمائهم، لا، العادة كانت على العكس تماماً، ولذلك نهى عليه الصلاة والسلام أشد النهي في الحديث السابق ذكره:«من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار».
إذاً: كانت العادة يومئذ هو القيام، فما قال الرسول عليه السلام أن هذه عادة وهذه وسيلة للاحترام والإكرام للداخل، وللسلام عليه كما يقول هو في اللفظ، بل عليه الصلاة والسلام لم يرض هذا القيام لنفسه هو، ليس كما يقولون من باب التواضع؛ لأن هذا قد يقال فيما هو أهم من ذلك مما نهى عنه الرسول عليه السلام، فيتأوله المبتدعة والخلف الطالح، يتأولونه بخلاف ما رمى إليه - صلى الله عليه وآله وسلم -، خذواً مثلاً الحديث المتفق على صحته:«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله رسوله».
تجد شاعرهم البوصيري الذي يتقربون إلى الله بتلاوة بردته، وفيها:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت فيه واحتكم
ماذا قالت النصارى: عيسى ابن الله إذاً: أنت لا تقول محمد ابن الله، وما دون ذلك قل ما شئت.
الرسول يقول:«لا تطروني إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله».
إذا فسر الحديث بتفسير البوصيري إذا صح التعبير بطل قوله عليه السلام، وحاشاه أن يبطل:«قولوا عبد الله ورسوله».