• قلت: فإن كان ثم شيء يستدرك على هذه الرواية فإنما هو مراعاة علو المني في معنى الشبه، فإن المحفوظ في قصة أم سليم هو مراعاة سبق المني في معنى الشبه.
ورجال هذا الإسناد ثقات، غير مصعب بن شيبة؛ فإنه: ليس بالقوي، ولا بالحافظ الذي يعتمد على حفظه فنقبل منه الزيادة، ومسلم لم يخرج لمصعب حديثًا انفرد بأصله، بل ما توبع عليه في الجملة، وإن كان من جهة المعنى، وقد سبق أن تكلمت على مصعب بن شيبة، وبينت حاله في الحديث المتقدم برقم (٥٣).
والذي أراه أن مسلمًا قد أخرج هذه الرواية تقوية لرواية ابن شهاب عن عروة عن عائشة، ولبيان صحة هذا الطريق، وصحة حديث عائشة في قصة أم سليم.
وإلا فإن مصعب بن شيبة: لا يحتج بمثله، ولا تستقل روايته بإثبات حكم، فكيف وقد خولف في هذه القصة:
• فقد روى ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة: أن أم سليم امرأة أبي طلحة قالت: يا رسول الله! المرأة ترى زوجها في المنام يقع عليها، أعليها غسل؟ قال: "نعم، إذا رأت بللًا"، فقالت أم سلمة: أو تفعل ذلك؟ فقال: "تربت يمينك؛ أنى يأتي شبه الخؤلة إلا من ذلك، أي النطفتين سبقت إلى الرحم غلبت على الشبه".
أخرجه أحمد (٦/ ٣٠٨ - ٣٠٩)، وإسحاق (٤/ ١١٥ - ١١٦/ ١٨٨٢)، والطحاوي في المشكل (٤/ ٦ - ٧/ ٢٢٤٥)، والطبراني في الكبير (٢٣/ ٢٩٧ و ٤١٤/ ٦٥٩ و ٩٩٨)، وابن عبد البر في الاستذكار (١/ ٢٩٤)، وعلقه في التمهيد (٣/ ٥١٠).
وهذا إسناد مدني صحيح، رجاله رجال مسلم، وعبد الله بن رافع سمع مولاته أم سلمة [التاريخ الكبير (٥/ ٩٠)]، وابن أبي ذئب، محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة: من أثبت الناس في سعيد المقبري، قال ابن معين: "ابن أبي ذئب: أثبت من ابن عجلان في سعيد المقبري"، وقال ابن المديني: "الليث، وابن أبي ذئب: ثبتان في حديث سعيد المقبري" [التهذيب (٣/ ٦٢٩)، شرح علل الترمذي (٢/ ٦٧٠)].
وقد تابع ابن أبي ذئب عليه: أيوب بن موسى بن عمرو المكي الأموي [ثقة].
ذكره الدارقطني في العلل (٨/ ١٤٣/ ١٤٦٢).
وانظر فيمن وهم فيه فجعله من مسند أبي هريرة: المعجم الأوسط (٢/ ٣٧٣ ٢٢٦٧)، الكامل (٥/ ٤٦)، علل الدارقطني (٨/ ١٤٣/ ١٤٦٢).
فهذه الرواية الصحيحة عن أم سلمة: تبين أن الشبه إنما يرجع إلى السبق لا إلى العلو، وهذه الرواية المجزوم بها هي التي ترجح أي الأمرين هو الراجح في رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس، والتي شك فيها ابن أبي عروبة، فقال: "فمن أيهما علا -أو: سبق- يكون منه الشبه".
وبهذا يظهر وهم مصعب بن شيبة في هذه الرواية، وأن الذي يؤثر في الشبه سبق مني