قال البيهقي:"فقد رجع شعبة عن رفع الحديث، وجعله من قول ابن عباس".
• وعليه: فهو موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح؛ رجاله ثقات رجال الشيخين، غير مقسم بن بجرة، ويقال: ابن نجدة، لم يخرج له مسلم، وإنما أخرج له البخاري في صحيحه حديثًا واحدًا فقط في المغازي وفي التفسير، وهو من غرائب الصحيح [مقدمة الفتح ص (٤٦٨)] [الجرح والتعديل (٢/ ٧٥٠)].
ولا يعل به الحديث؛ كما قال ابن حزم في المحلى (٢/ ١٨٩): "وأما حديث مقسم: فمقسم ليس بالقوي؛ فسقط الاحتجاج به"، وقال في موضع آخر (١٠/ ٨٠): "ومقسم: ضعيف".
قلت: مقسم: وثقه أحمد بن صالح، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، والدارقطني، وقال أبو حاتم:"صالح الحديث، لا بأس به"، وذكره البخاري في الضعفاء، وقال ابن سعد:"وكان كثير الحديث، ضعيفًا"، وقال الساجي:"تكلم الناس في بعض روايته"، وقال مهنا:"قلت لأحمد: من أصحاب ابن عباس؟ قال: ستة، فذكرهم، قلت: فمقسم؟ قال: دون هؤلاء"، فهو كما قال الذهبي وابن حجر: صدوق مشهور [التاريخ الكبير (٨/ ٣٣)، وقال:"سمع ابن عباس". الجرح والتعديل (٨/ ٤١٤)، تاريخ أسماء الثقات (١٤١٨)، ثقات العجلي (١٧٨٣)، طبقات ابن سعد (٥/ ٢٩٥ و ٤٧١)، التهذيب (٤/ ١٤٧)، الميزان (٤/ ١٧٦)، المغني (٢/ ٦٧٥)].
• فإن قيل: قد خالف ابن القطان الفاسي فيما نقول من رجوع شعبة عن رفعه فقال (٥/ ٢٧٩): "نظن أنَّه - رضي الله عنه - لما أكثر عليه في رفعه إياه، توقى رفعه؛ لا لأنَّه موقوف، ولكن إبعادًا للظنة عن نفسه.
وأبعد من هذا الاحتمال: أن يكون شك في رفعه في ثاني حال فوقفه؛ فإن كان هذا فلا نبالي بذلك أيضًا، بل لو نسي الحديث بعد أن حدث به لم يضره.
فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه، فاعلم أن غيره من أهل الثقة والأمانة أيضًا قد رواه عن الحكم مرفوعًا - كما رواه شعبة فيما تقدم -؛ وهو عمرو بن قيس الملائي -وهو ثقة-؛ قال فيه عن الحكم ما قاله شعبة من رفعه إياه، إلا أن لفظه: فأمره أن يتصدق بنصف دينار، ولم يذكر: دينارًا، وذلك لا يضره، فإنه إنما حكى قضية معينة، قال فيه: واقع رجل امرأته وهي حائض؛ فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتصدق بنصف دينار، ذكره النسائي رحمه الله تعالى، فهذه حال يجب فيها نصف دينار، وهو مؤكد لما قلناه: من أن دينارًا أو نصف دينار، إنما هو باعتبار حالين، لا تخيير ولا شك.
ورواه أيضًا مرفوعًا هكذا عن عبد الحميد بن عبد الرحمن المذكور: قتادة، وهو من هو، قال النسائي: أخبرنا خشيش بن أصرم، قال: حدثنا روح وعبد الله بن بكر، قالا: حدثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رجلًا غشي امرأته وهي حائض، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار.