للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعطيت أربعًا لم يعطهن أحد من أنبياء الله: أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل التراب لي طهورًا، وجعلت أمتي خير الأمم".

وقد ظن بعضهم أن هذا من باب المطلق والمقيد، وهو غلط، وإنما هو من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، وهو لا يقتضي التخصيص عند الجمهور، خلافًا لما حكي عن أبي ثور، إلا أن يكون له مفهوم فيبنى على تخصيص العموم بالمفهوم، والتراب والتربة لقب، واللقب مختلف في ثبوت المفهوم له، والأكثرون يأبون ذلك.

لكن أقوى ما استدل به: حديث حذيفة الذي خرجه مسلم فإنه جعل الأرض كلها مسجدًا، وخص الطهورية بالتراب، وأخرج ذلك في مقام الامتنان، وبيان الاختصاص، فلولا أن الطهورية لا تعم جميع أجزاء الأرض لكان ذكر التربة لا معنى له، بل كان زيادة في اللفظ ونقصًا في المعنى، وهذا لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم.

وقد خرجه ابن خزيمة في صحيحه، ولفظه: "وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعل ترابها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء". انتهى كلامه.

وانظر: الفتح لابن حجر (١/ ٤٣٨)؛ وقد صحح إسناد حديث أنس، وحسن إسناد حديث علي، وهو كما قال، وحديث علي حسن إسناده أيضًا: السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٢٩٤)، وابن كثير في تفسيره (١/ ٣٩٢)، وصححه الضياء في المختارة (٢/ ٣٤٨ و ٧٢٨/ ٣٤٩ و ٧٢٩).

والحديث في: مسند أحمد (١/ ٩٨ و ١٥٨)، ومصنف ابن أبي شيبة (٦/ ٣٠٤/ ٣١٦٤٧)، ومسند البزار (٢/ ٢٥١/ ٦٥٦)، وفوائد تمام (٢/ ١٠٩/ ١٢٧٦)، وسنن البيهقي (١/ ٢١٣)، وتمهيد ابن عبد البر (١٩/ ٢٩١)، ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (٤٨٩).

وهو حديث حسن، وانظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (٢/ ٣٩٩/ ٢٧٠٥).

وثم دليل آخر احتج به القائلون بأنه يتعين التيمم بالتراب الذي له غبار يعلق باليد، وهو قوله تعالى في سورة المائدة: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦]، فقالوا بأن "من" هنا للتبعيض.

لكن رد عليهم الآخرون فقالوا: هذا محتمل، ويحتمل أيضًا أن تكون لابتداء الغاية؛ أي: مبدأ ذلك المسح كائن من الصعيد الطيب، فلا يتعين ما له غبار، قال ابن العربي: "وقال علماؤنا: إنما أفادت "منه": وجوب ضرب الأرض باليدين، فلولا ذلك. . . لجازت الإشارة إلي الصعيد، وضرب الوجه واليدين بعد الإشارة باليدين إلى الأرض، ولكنه أكد بقوله: "منه" ليكون الابتداء بوضع اليدين على الأرض تعبدًا، ثم ضرب الوجه واليدين بعد ذلك بهما" [أحكام القرآن (٢/ ٨٠)]

إذا علمت ذلك؛ علمت أنه لا بد من قرينة ترجح أحد القولين، وقد وجدتها في كلام العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله إذ يقول في تفسيره [أضواء البيان (٢/ ٣٠)]:

<<  <  ج: ص:  >  >>