للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطري منه في قوله: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: ١٤]؛ لأنه ذكر اللحم الطري في معرض الامتنان، فلا مفهوم مخالفة له، فيجوز أكل القديد مما في البحر.

الثاني: أن مفهوم التربة: مفهوم لقب؛ وهو لا يعتبر عند جماهير العلماء، وهو الحق كما هو معلوم في الأصول".

قال ابن دقيق العيد في الأحكام (١/ ١٥١): "ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن في الحديث قرينة زائدة عن مجرد تعليق الحكم بالتربة، وهو الافتراق في اللفظ بين جعلها مسجدًا وجعل تربتها طهورًا على ما في ذلك الحديث، وهذا الافتراق في السياق قد يدل على الافتراق في الحكم، وإلا لعطف أحدهما على الآخر نسقًا، كما في الحديث الذي ذكره المصنف وانظر: الإعلام (٢/ ١٦٠ - ١٦١).

الثالث: قال الشنقيطي: أن التربة فرد من أفراد الصعيد، وذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يكون مخصصًا له عند الجمهور، سواء ذكرا في نص واحد كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: ٢٣٨]، أو ذكرا في نصين كحديث: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" عند أحمد، ومسلم، وابن ماجه، والترمذي، وغيرهم؛ مع حديث: "هلا انتفعتم بجلدها يعني: شاة ميتة -عند الشيخين- كلاهما من حديث ابن عباس.

فذكر الصلاة الوسطى في الأول، وجلد الشاة في الأخير: لا يقتضى أن غيرهما من الصلوات -في الأول-، ومن الجلود -في الثاني- ليس كذلك.

قال في مراقي السعود عاطفًا على ما لا يخصص به العموم:

وذكر ما وافقه من مفرد ... ومذهب الراوي على المعتمد

ولم يخالف في عدم التخصيص بذكر بعض أفراد العام بحكم العام إلا أبو ثور محتجًا بأنه لا فائدة لذكره إلا التخصيص، وأجيب من قبل الجمهور: بأن مفهوم اللقب ليس بحجة، وفائدة ذكر البعض: نفي احتمال إخراجه من العام.

والصعيد في اللغة: وجه الأرض، كان عليه تراب أو لم يكن، قاله الخليل، وابن الأعرابي، والزجاج، قال الزجاج: لا أعلم فيه خلافًا بين أهل اللغة، قال الله تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (٨)} [الكهف: ٨]؛ أي: أرضًا غليظة لا تنبت شيئًا، وقال تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: ٤٠]، ومنه: قول ذي الرمة:

كأنه بالضحى ترمي الصعيد به ... دبابة من عظام الرأس خرطوم

. . ." [انظر: الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٢٢٧)].

قال القرطبي: "فاستدل أصحاب هذه المقالة بقوله عليه السلام: "وجعلت تربتها لنا طهورًا"، وقالوا: هذا من باب المطلق والمقيد، وليس كذلك، وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم، كما قال تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)} [الرحمن: ٦٨]، وقد حكى أهل اللغة أن الصعيد اسم لوجه الأرض كما ذكرنا، وهو نص القرآن كما بيَّنَّا، وليس

<<  <  ج: ص:  >  >>