للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعد بيان الله بيان، وقال - صلى الله عليه وسلم - للجنب: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" [الجامع (٥/ ٢٢٨)].

وقال في موضع آخر: "وحديث عمران بن حصين نص على ما يقوله مالك، إذ لو كان الصعيد التراب لقال عليه السلام للرجل: عليك بالتراب فإنه يكفيك، فلما قال: "عليك بالصعيد" أحاله على وجه الأرض" [الجامع (٦/ ١٠٥)].

الوجه الرابع: قال ابن دقيق العيد في الإحكام (١/ ١٥١): "ومنها: أن الحديث المذكور الذي خصت فيه التربة بالطهورية لو سلم أن مفهومه معمول به، لكان الحديث الآخر بمنطوقه يدل على طهورية بقية أجزاء الأرض، أعني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مسجدًا وطهورًا"، فإذا تعارض في غير التراب دلالة المفهوم الذي يقتضي عدم طهوريته، ودلالة المنطوق الذي يقتضي طهوريته فالمنطوق مقدم على المفهوم.

وقد قالوا: إن المفهوم يخصص العموم، فتمتنع هذه الأولوية إذا سلم المفهوم ههنا، وقد أشار بعضهم إلى خلاف هذه القاعدة، أعني: تخصيص العموم بالمفهوم، ثم عليك بعد هذا كله بالنظر في معنى ما أسلفناه من حاجة التخصيص إلى التعارض بينه وبين العموم في محله"، وانظر: الأعلام (٢/ ١٦٢).

قال الشنقيطي: "واختلف العلماء فيه [يعني: في الصعيد] من أجل تقييده بالطيب، فقالت طائفة: الطيب: هو الطاهر؛ فيجوز التيمم بوجه الأرض كله: ترابًا كان، أو رملًا، أو حجارة، أو معدنًا، أو سبخة، إذا كان ذلك طاهرًا، وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والثوري، وغيرهم.

وقالت طائفة: الطيب: الحلال، فلا يجوز التيمم بتراب مغصوب.

وقال الشافعي، وأبو يوسف: الصعيد الطيب: التراب المنبت، بدليل قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: ٥٨].

وساق ابن العربي في معنى الطيب خمسة أقوال ثم قال: "أصحها الطاهر" [أحكام القرآن (١/ ٥٦٩)].

وهذا القول هو الصواب؛ لما تقدم تقريره قبل.

ومما يؤكد صحة القول بجواز التيمم بجميع أجزاء الأرض مما يصح إطلاق اسم الصعيد عليه سواء كان عليه تراب أو لم يكن، ولا يتعين ما له غبار:

حديث أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة: قال: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - السلام، حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام [تقدم برقم (٣٢٩)، وهو في الصحيح].

قال القرطبي في تفسيره (٥/ ٢٢٩): "وهو دليل على صحة التيمم بغير التراب، كما يقوله مالك ومن وافقه".

وثم دليل آخر: وهو فعله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، قال ابن القيم في زاد المعاد (١/ ٢٠٠) في هديه - صلى الله عليه وسلم - في التيمم: "وكذلك كان يتيمم بالأرض التي يصلي عليها، ترابًا

<<  <  ج: ص:  >  >>