للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما عمرو بن بجدان، وتضعيف الحديث من جهته؛ فيحسن فيه نقل كلام ابن دقيق العيد في رده على ابن القطان فقد أجاد؛ إذ يقول: "فمن العجب كونه لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرده بالحديث! فأي فرق بين أن يقول: هو ثقة، أو يصحح حديثًا انفرد به، وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة، فليس هذا بمقتضى مذهبه، فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله، وهو تصحيح الترمذي رحمه الله، وإن كان لم يرو قول الترمذي: "صحيح" فله عذر، لكن هذه اللفظة ثابتة فيما أورده شيخنا رحمه الله"؛ يعني بشيخه: الإمام المنذري، فيما نقله في مختصر السنن (١/ ٢٠٦) عن الترمذي، ولعل سبب تشغيب ابن القطان هذا هو أن عبد الحق الإشبيلي في أحكامه الوسطى (١/ ٢٢٠) نقل عن الترمذي قوله: "هذا حديث حسن"، فقال ابن القطان: "فهو عنده غير صحيح؛ ولم يبين لم لا يصح؟ ".

لكن كما قال ابن دقيق العيد؛ فإن لفظة: "صحيح" ثابتة عن الترمذي.

وعلى هذا فإن الذين صححوا هذا الحديث أو احتجوا به يكونون بذلك قد وثقوا عمرو بن بجدان توثيقًا ضمنيًا، وهم: الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وأبو داود، والنسائي، وكذا الدارقطني، وأبو حاتم، وهذا فضلًا عمن وثقه صراحة كالعجلي وابن حبان.

ثم إنه مما يرفع من حال عمرو بن بجدان: أن الراوي عنه هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي؛ وهو: بصري تابعي ثقة، كثير الحديث، ولا شك أن مثل هذا مما يرفع من حال المنفرد عنه، لدخوله في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، فهو تعديل ضمني لعموم التابعين.

كذلك قصة عمرو بن بجدان مع أبي ذر، فقد روى إسماعيل ابن علية، ومعمر، وابن أبي عروبة، عن أيوب عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، [كذا قال ابن علية، وقال معمر وابن أبي عروبة: من بني قشير] قال [واللفظ لابن علية]: كنت كافرًا فهداني الله للإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك [في نفسي]، وقد أنعت إليَّ أبو ذر، فحججت فدخلت مسجد قباء فعرفته بالنعت، فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطن، فذهبت حتى قمت إلى جنبه وهو يصلي فسلمت عليه، فلم يرد عليّ حتى صلى صلاة أتمها وأحسنها وأطولها، فلما فرغ رد عليّ، فقلت: أنت أبو ذر؟ قال: إن أهلي ليزعمون ذاك، قلت: كنت كافرًا فهداني الله للإسلام، وأهمني ديني، وكنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي؟ قال: هل تعرف أبا ذر؟ قلت: نعم. قال: فإني اجتويت المدينة. . . وذكر الحديث. [المدرج (٢/ ٨٧٠)].

وسياق هذه القصة مما يبين شيئًا من حال عمرو بن بجدان وقلة روايته.

ثم بعد ذلك فإن حديثه هذا ليس فيه ما ينكر، فهو موافق لما رواه الثقات في التيمم؛

<<  <  ج: ص:  >  >>