• ومما يؤكد كون رواية يحيى بن أيوب رواية معلولة، وأن الصواب رواية عمرو بن الحارث بدون ذكر التيمم: أن البخاري قد علق في صحيحه رواية يحيى بن أيوب -بذكر التيمم- بصيغة التمريض، مما يدل على ضعفها عنده، فقال في ٧ - كتاب التيمم، ٧ - باب: إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت، أو خاف العطش يتيمم، ويُذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم، وتلا:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}[النساء: ٢٩]، فذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف. ذكره قبل الحديث رقم (٣٤٥).
قال ابن حجر في التغليق (٢/ ١٩١): "واللائق بتبويب البخاري: رواية يحيى بن أيوب التي ذكر فيها التيمم، والله أعلم".
• وبناء على ما تقدم من أن الراجح والصواب: رواية عمرو بن الحارث، فعندئذ ينظر فيها هل هي ثابتة أم لا؟
ففي روايته أن أبا قيس مولى عمرو بن العاص لم يذكر سماعًا ولا عنعنة، ولكن فيها: أن عمرو بن العاص كان على سرية، لذا قال ابن رجب في الفتح (٢/ ٧٨): "وظاهرها الإرسال"، ثم نقل عن أحمد قوله:"ليس إسناده بمتصل"، وهذا يفهم منه أن الإمام أحمد قال هذا في رواية عمرو بن الحارث، وهو محتمل لما سيأتي بيانه، لكن يمكن أن يقال: لعله قال هذا الكلام على رواية ابن لهيعة والتي أخرجها في مسنده (٤/ ٢٠٣) بإسقاط أبي قيس من الإسناد، ولا شك بأنها غير متصلة، فهي أظهر في الإرسال.
وأما رواية عمرو بن الحارث: فإن رجالها كلهم مصريون ثقات، وأبو قيس هو: عبد الرحمن بن ثابت، مولى عمرو بن العاص، وقد سمع منه، وله في الصحيح حديثان عن عمرو بن العاص [اتفق الشيخان على أحدهما: البخاري (٧٣٥٢)، مسلم (١٧١٦)، وانفرد مسلم بالآخر (١٠٩٦)].
وانظر فيما يدل على ثبوت سماع أبي قيس من مولاه عمرو بن العاص: سنن الدارمي (٢/ ١١/ ١٦٩٧)، المعرفة والتاريخ (١/ ١٤٩).
فإن قيل: أبو قيس: مات قديمًا سنة أربع وخمسين [التقريب (٧٢٠)]، وعبد الرحمن بن جبير الراوي عنه مات سنة سبع وتسعين (٩٧)، وقيل: بعدها [التقريب (٣٥٩)]، وعليه: فإن بين وفاتيهما ثلاث وأربعون (٤٣) سنة.
فيقال: عبد الرحمن بن جبير سمع ابن عمرو، كما سمعه أبو قيس [التاريخ الكبير (٥/ ٢٦٧)، الجرح والتعديل (٥/ ٢٢١)]، وأدرك عمرو بن العاص، قاله أبو حاتم [الجرح والتعديل (٥/ ٢٢١)]، ووفاة عمرو بن العاص كانت سنة (٤٣ هـ) على الأصح [انظر: التهذيب (٣/ ٢٨١)]، فيكون عبد الرحمن بن جبير بذلك قد أدرك أبا قيس قبل وفاته بعشر سنوات تقريبًا، فلا يستبعد سماعه منه، إلا أني لم أقف -بعد البحث- على ما يثبت سماعه منه، والله أعلم.
لكن مع ذلك فإن هذا الحديث: مرسل؛ ذلك لأن أبا قيس مولى عمرو بن العاص،